التحطيب في #السويداء “بدأ بالعوز.. ثم اختلط بالدماء “

عند غياب الشمس، يجتمع عدد من الشبان، المنشار جاهز، والسلاح والجُعب، والمصابيح فعملهم يبدأ ليلاً، بعدما تقطعت في معظمهم السبل، وباتت لقمة العيش أصعب ما يصبون له.

يستقلون آلياتهم وينطلقون إلى المناطق الحراجية غالباً، فيقصدون حرش الكفر حيناً، وحرش سليم وقنوات وغيرها من الأحراج الغنية بشجر السنديان حيناً آخر، ولا يوفرون شجر الكينا أيضاً، وفي بعض الأحيان يقتلعون الأشجار المثمرة بماحملت..!!

تنتهي أعمالهم حوالي الساعة الرابعة فجراً، فيعودون محمّلين بالأشجار، التي يعتلونها بسلاحهم، حتى يصلوا إلى منزل أحدهم أو مستودع خاص لهم، فينزلون الحمولة التي تخضع للتقطيع بأحجام صغيرة ثم البيع بأسعار وفيرة وصلت إلى أكثر من 100 دولار للطن الواحد ليتراوح سعره بين 60 ألف وحتى 75 ألفاً حسب نوعية الحطب ..!!

قطعأشجاروتصدي_بالرصاص

وثقت السويداء 24 في مطلع الشهر الحالي، إصابة المواطن أمين النجاد بطلق ناري في قدمه، أثناء تأديته لعمله كحارس لحرش سليم، وذلك خلال جولة تفتيشية قام بها مع الأهالي.

حيث تزامنت الجولة مع تواجد أفراد مسلحين يقومون بقطع الأشجار، ليبادر المسلحون بإطلاق النار على النجاد قبل أن يلوذوا بالفرار، بعد أن حاول إلقاء القبض عليهم بمساعدة الأهالي.

ولم تكن هذه الحادثة الأولى من نوعها، حيث سبق ذلك عدة حالات ابرزها، إصابة الشاب شوقي بدور الذي ينتمي لكتائب البعث، بطلق في الرأس، بعد إطلاق النار عليه من قبل عدد من الحطّابين، لاعتقادهم أنه متوجه للمكان لمنعهم من قطع الأشجار، حيث تواجد مع رفاقه في المكان صدفة.

مادورالجهات_المعنية

انبعثت فكرة تشجيل الأشجار وتحطيبها بدايةً، من البرد الذي نخر عظام الفقراء، ممن عجزوا عن تأمين ثمن المحروقات لتدفئة عائلاتهم، بعد أن ظهرت أزمة المحروقات في البلد، وشح المازوت الحكومي، وتوفره بأسعار عالية في السوق السوداء، الذي كان يبيعه المهربون والتجار بأسعار تخضع لمزاجيتهم، ويضطر المواطنون لشرائه خلال فصل الشتاء والبارد.

إذ قامت دائرة حراج السويداء بدورها بملاحقة المعتدين على الأحراج، حيث نظمت أعداداً لا بأس بها من الضبوط بحق محطبين كانوا غالباَ يستقلون دراجات نارية لتحميل الأخشاب عليها، وصادرت عشرات المناشير الآلية واليدوية والبلطات.

ثم خصصت مديرية الزراعة لجاناً للاشراف على عملية التحطيب، مانعة الاعتداء على المناطق الحراجية، كما قررت بيع الحطب للمواطنين بواقع نص طن في الشهر للأسرة الواحدة وبسعر 6000 ل.س آنذاك، واستنكره الأهالي وقتها الكمية المنخفضة والسعر الذي اعتبروه باهضاً، إلا أن المديرية استمرت في خطتها، ولكن “ما هكذا تورد الإبل” يقول أحد المتابعين..!!

لتتعالى الأصوات من قبل الأهالي متهمة اللجان المسؤولة بالفساد، والتعامل بالمحسوبيات، حيث سمح البعض منهم لأشخاص معروفين من قبلهم بقطع الأشجار، عدا عن اتهامات التي طالتهم بالتورط مع تجار الأحطاب في عمليات قطع جائر، ومشاركتهم في عمليات التحطيم مقابل مبالغ مالية.

وتزايدت عمليات القطع من قبل الحطابين يوماً بعد يوم، حتى بلغ عدد الأشجار المقطوعة 30 ألف شجرة معظمها من السنديان، حتى منتصف عام 2018، بحسب تصريحات سابقة لرئيس قسم الحراج في مديرية الزراعة في السويداء، حيث برر ذلك، بقلة عدد المخافر الحراجية في السويداء والتي يبلغ عددها 5 مخافر، وتضم 15 خفيراً حراجياً، فيما تحتاج المخافر أكثى من ضعف هذا العدد، لتسطيع تغطية المناطق الحراجية.

الدائرةاستمرتبتنظيم_الضبوط

صرح رئيس قسم الحراج لوكالة سانا مؤخراً بأن مديرية الزراعة صادرت نحو 4 أطنان من الأخشاب التي تم تقطيعها بشكل غير قانوني، منظمة 50 ضبطاً حراجياً جراء التعدي على الأشجار.

كما خصصت الرقم 188 للإبلاغ عن حالات الاعتداء على المناطق الحراجية، ودعى المواطنين لشراء الحطب من المستودعات المرخصة حصراً، دون التوجه لشرائه من المخالفين.

كيفتحركتفعاليات_المجتمع

حرّمت مشيخة عقل طائفة الموحدين الدروز في السويداء قطع الأشجار، مُنزلة الحرم على كل من يُقدم على هذا العمل، إلّا أن الجهات الدينية لم تذكر أي اسم طُبق عليه الحرم الديني فعلياً بعد ذلك، مما أثار انتقاد البعض مطالبين بتطبيق سماحة مشايخ عقل الطائفة بإجراءات صارمة حيال إبادة الأشجار.

فيما توجّه منظمات المجتمع المدني لحملات التشجير، محاولة تعويض النقص الحاصل في الغطاء النباتي، ومن أبرز حملات التشجير “1100 شجرة تخليداً لشهداء الهلال الأحمر” التي نفذها أبناء السنديان، وحملة المليون شجرة، وحملة تشجير نفذتها منظمة جذور وملتقى العمل الاجتماعي، وحملة تشجير التي نفذها بعض الأهالي في تل عبد مار في صلخد.

بينما أصدر الأمين العام لحزب البعث في السويداء تعميماً عام 2017، يمنع حملات التشجير، التي تقوم بها فعاليات مدنية واجتماعية غير “سلطوية”، بحجة أن هذه الحملات وراءها غايات شخصية!!

مذكراً بضرورة أخذ الموافقة المسبقة من “القيادة المعنية”، والتنسيق مع “القيادات الحزبية والإدارية”، مما جبر العديد من المنظمات المجتمع المدني على إلغاء حملات كانت قد أعلنت عنها سابقاً.