حديث الناس| مشيخة العقل في الجبل، ما هكذا تورد الآبل .!

أصدرت مشيخة العقل في السويداء من جديد، بيانا يتعلق بالوضع الأمني، وقع عليه سماحة شيخي العقل يوسف جربوع وحمود الحناوي، وغاب عنه سماحة شيخ العقل الأول حكمت الهجري.

بدأ البيان بالتغني بالأمجاد وتقريع من سماهم “القلة الخارجة عن القانون والأعراف والعادات والتقاليد…،الذين ضربوا بانحرافهم وإجرامهم عرض الحائط أمننا ومصيرنا دون أن يقدروا عواقب ما قاموا به…”.

ولفت البيان أنه “استجابة للرأي العام فإننا نقرر ما يلي: يعتبر هذا البيان دعوة مسؤولة للجهات ولمؤسسات الدولة مسؤوليتها ومهامها واتخاذ الاجراءات الضرورية اللازمة لتطبيق القانون وردع المخالفين والمجرمين وترسيخ قيم الحق والعدالة”.

في وقت لا نكاد نتذكر عدد الدعوات التي وجهت من المؤسسة الدينية وغيرها من الوجهاء للجهات المسؤولة للقيام بما يوصف أنه مسؤولياتها، من رأس الهرم حتى ممثلي السلطة في المحافظة من رؤساء أفرع أمنية وشرطة ومحافظة وأمين فرع الحزب، بما أن الحزب ما يزال متوغل على الدولة، دون أي جدوى، وقد تكون من المرات القليلة التي يشهد لهم بالحكمة، فهي دعوات تزجهم بالمجهول، في ظل انعدام الثقة المتبادل بينهم وبين المجتمع.

وأتى البند الثاني في البيان “يطالب عائلات “المخالفين والمجرمين تسليمهم لجهات الدولة المختصة والتبري منهم وإهدار دمهم ولا يحق لهم المطالبة بالحق القانوني والعشائري ولا يقام له مأتم ولا صلاة استنادا للعرف العشائري”.

لو كنا قد وصلنا إلى دولة القانون هل كنا طالبنا بأن تتبرأ العائلة من ابنها، في حين يجب أن نطالب باحتضانه واعادته إلى الطريق الصواب، أليس دور المؤسسة الدينية هو هداية الضالين على طريق الصواب والمغفرة والتوبة، التي ينتظرها الله من عبده مهما أخطأ ان كانت توبة نصوحة، أليس هذا ما يحتاجه أفلاذ أكبادنا، أكثر من هدر دمهم وهو مفهوم ما قبل الدولة ويدفع من ظل الطريق، إلى المزيد من الغلو، حيث لا نترك أمامه خيار.

ولماذا لا نسأل أنفسنا جميعا من المؤسسة الدينية والتربوية والاجتماعية والاقتصادية، ألسنا مسؤولين عن هؤلاء ألم نكن مقصرين بأداء دورنا، أليس من هؤلاء من شذ بسبب التهميش والفقر والفساد والتقصير، والظروف الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، سيما وأن حالة الفلتان الأمني ظاهرة أفرزتها سنوات الحرب ؟؟!!!

ويؤكد هذا البيان أنه النداء الأخير لمن ذكرهم سابقا لتطبيق “تشديد الحرم الديني وطرد المخالف طردا كليا من مجتمعه”، وهنا ألا نعالج الخطأ بخطأ أكبر، وإن كان الحرم الديني ورفع الغطاء هو مطلب أمني ليس لتطبيق القانون بل لتحميل المجتمع المسؤولية، أوليس الجهات الامنية نفسها من جندت جزء كبير من هؤلاء الشباب وأفسدتهم بطرق عديدة يطول شرحها، أليس الأكثر جدوى علاج هؤلاء الشباب من أمراض أورثها لهم المجتمع ومن فتح لهم طريق الخطيئة.

وما يلفت النظر هو البند الخامس، الذي جاء به “كل من يخالف هذا البند يعتبر منبوذا ومطرودا اجتماعيا ودينيا ولا غطاء له من عائلته وأقاربه ومجتمعه”، والسؤال هنا بأي سلطة تفرضون ذلك من فوضكم من وقع لكم، بأي دستور وقانون تعملون، تحرمون الإنسان من الحق الدفاع عن نفسه، ومن أن يتم لحظ الظروف التي أوصلته إلى ما هو عليه، هل تعتقدون أن المجتمع نسي أن من منحكم موقعكم قد ولا عن البلاد وتحررت منه العباد، وأن عملكم ديني بحت، أي طقوس العبادة وهذه بينكم وبين الله.

كما تحدث البيان عن منع “كافة المرجعيات”، دون أن نعلم ما المقصود بهذه الجملة، هل هي تخص السياسية والمدنية وقد تكون عائلية، كما أهاب بكافة شرائح المجتمع تطبيق هذا البيان، والتعاون مع مؤسسات الدولة في كل ما يخص ذلك، وعمم البيان على أئمة المجالس والفعاليات والجهات المعنية من كافة أطياف المجتمع، وهكذا ترك البيان مفتوحا حمال أوجه يسمح لكل من هب ودب التدخل ويعتبر نفسه مفوض.

والأسوأ أن هذا الطرح الضبابي غير الدقيق قد يبعد عنهم الحرج مع السلطة، ولكن قد يوقع المجتمع بألف حرج ومشكلة ومأزق، وفي النهاية يزج المجتمع في مواجهة مع جهات لا تدرك أين يكمن الخلل ولا سبب المشكلة ولا ترغب بحل جذري، بل تريد وأد مشاكلنا وصوت أنينا وفرض هيمنتها، ليبقى المرض ينهش بنا من الداخل، ومع تجدد أي انفجار جديد، يظهر ما نكره بشكل أبشع وأشد عنفيه، اليوم هناك فرصة لنشخص المرض ونبحث عن علاج ولو استغرق القليل من الوقت، لنكون مجتمع معافى متوازن قادر على بناء مستقبل أفضل لأبنائه.

وفي النهاية ما هكذا تورد الإبل، ولا يستوي الأمر، وكفى رمي المسؤوليات على بعضنا البعض، ودعونا نبدأ العمل معا ونتكاتف ونمد أيدينا لأبنائنا، ونعمل على تنمية محافظتنا كجزء من وطننا الأكبر سوريا، لتحمل أبنائها فلا يخطئ ولا يهاجر، نحن بحاجة لهم ولكم جميعا، ودائما هناك فرصة لبداية جديدة. وهذا بالتأكيد ليس دفاعاً عن المجرمين أو الخارجين عن القانون، لكن العلاج الحقيقي يبدأ من الأسباب، لا من النتائج، وإلا فنحن مقبلون على المزيد من الفوضى.

هذا المقال بقلم أحد المهتمين بالشأن العام، والآراء الواردة فيه تعبر عن رأيه ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر الشبكة.

ما رأيك ؟!