استنزفت سنوات الحرب في سورية القطاع الصحي على كافة الأصعدة، إلّا أن هجرة الكوادر الطبية تسببت في عجز متزايد في القطاع لتخلو عدة أقسام في المستشفيات الحكومية في السويداء من الأطباء، وتعتمد أخرى على الخريجين الجدد والمتدربين في الاختصاص.
الهجرة بالأرقام
واحتل الأطباء السوريين المرتبة الأولى في عدد الأطباء الأجانب في ألمانيا بعدد تجاوز 5200 طبيب وطبيبة، غير الحاصلين على الجنسية، بحسب إحصائية نشرتها نقابة الأطباء الاتحادية الألمانية قبل أيام.
فيما كانت قد كشف مصدر مسؤول في مديري صحة السويداء عن هجرة 17 طبيباً من السويداء خلال 5 أشهر، واستقالة 104 طبيب، إضافة ل 101 طلب إنهاء للخدمة، بينما حصل 143 طبيب على جوازات سفر جديدة.
إلّا أن هجرة الأطباء ليست بمشكلة حديثة في السويداء، حيث أكدت إحصائيات طبية تقلص عدد الأطباء في المراكز الصحية من 178 طبيب لعام 2011، إلى 132 طبيباً في عام 2018، بينما بلغ عدد الأطباء العاملين في المستشفيات الحكومية في السويدا آنذاك 212 طبيب فقط، بينما بيقى هذا العدد في تقلص مستمر.
لماذا يهاجر الأطباء
وتحدثت السويداء 24 لأطباء وممرضين في السويداء، حول دوافع الكوادر الطبية للهجرة والمشكلات التي تواجههم في سياق العمل.
وقال أحد الأطباء المُقيمين في طور الاختصاص للسويداء 24، أن الكثير من الدوافع تجعل الأطباء يفضلون الهجرة، أولها الدافع الاقتصادي حيث يُجبر خريج الطب البشري على الاختصاص في ظروف مادية سيئة فلا تتجاوز رواتبهم مبلغ 60 ألف ليرة سورية، وسط ضغط عمل كبير يقضي تقريباً على حياة الطبيب الاجتماعية.
وليس هذا فقط، إنّما يلعب الجانب النفسي دوراً في ذلك فضغط العمل الكبير يرافقه تراتبية تعطي سلطة للأطباء المسؤولين على المُقيمين يستخدمها البعض بشكل سلبي، حيث ينفر الأطباء من بعض المستشفيات التي تُعرف بذلك، عدا عن خدمات الإطعام السيئة في معظم المستشفيات، التي تتكرر الشكاوى منها مراراً دون إصغاء.
وأردف، أن الطبيب في سورية يدرس 6 سنوات لنيل شهادته الطبية ثم يدخل في مفاضلة للحصول على الاختصاص لا تحترم رغبته بالقدر الذي تفرض فيه الوزارات احتياجاتها من الاختصاص على الخريجين، ثم تطالبه الحكومة بسنة الامتياز والخدمة العسكرية بعد إتمام الاختصاص، ليتجاوز الثلاثين من عمره دون الخوض في مجال العمل وبناء الأسرة، ما يسهم في تهجير الكثيرين بحثاً عن حياة يختارونها بأنفسهم.
من جانب آخر تحدث طبيب اختصاصي للسويداء 24 عن تحديات أخرى تجعل الأطباء من الأعمار المتقدمة يسعون للسفر خارج البلاد، حيث أكد أنّ المردود المادي للطبيب في سورية بأحسن حالاته لا يُقارن بالمردود في أي دولة أخرى حيث يتقاضى الطبيب في الصومال مثلاً 2000-6000 دولار.
ويُضيف المصدر، هناك تحجيم للدور المجتمعي للأطباء في سورية، فتضغط عليهم الإدارات لمنعهم من التصريحات الصحفية حول ظروف عملهم، في حين يُحتّم على الطبيب السوري تشخيص وعلاج المرضى وسط نقص كبير في التجهيزات وانقطاعات في الأدوية ما يحد من قدراته على الإبداع المهني.
بينما بيّن طبيب أسنان أنّه يفضّل الهجرة على البقاء في البلاد كون ممارسته لمهنته تقتضي منه تجهيز عيادة تكلّف ملايين الليرات، بينما ترتفع أسعار المواد المُستخدمة في علاج الأسنان يوماً بعد يوم ما يُحتّم الطبيب رفع أسعاره بشكل لم يعد يستطع كثيرون تحمّله، عدا عن الانقطاع المتكرر في التيار الكهربائي الذي يعتمد عليه الطبيب في العمل، ما يسبب عطالة للأطباء أو تكاليف إضافية لوقود المولدات.
الحكومة تساهم في التهجير
بالرغم من ادعاء الحكومة السورية تمسكها بالأطباء وحديث مسؤوليها عن دراسة قرارات تضمن بقاءهم في البلاد، إلّا أن واقع الأطباء ينفي ذلك.
فقبل أن تقرر الحكومة السورية السماح للأطباء بافتتاح عياداتهم خلال فترة الخدمة الإلزامية واختيارهم أقرب نقطة لمكان سكنهم لتأدية خدمة العلم، كانت قد أضافت سنة كاملة لكامل الاختصاصات سمّتها سنة الامتياز، وهي سنة ابتدعتها لخدمة المراكز الصحية كشرط لاستلام شهادة الاختصاص، وبراتب لا يتجاوز 20 دولار شهرياً.
ومن جانب آخر أقرت وزارة الصحة السورية نظام الفرز الربعي في سنوات الاختصاص والذي يضفي إلى تنقل الطبيب من مستشفى إلى آخر بحيث يسد النقص في مستشفيات الوزارة دون الاكتراث إلى حالة عدم الاستقرار التي تضع فيها الأطباء بهذا القرار، وغيرها الكثير من القرارات التي لازالت تساهم في تهجير الأطباء.