“هي حياة العمالة تحت خطّ الفقر، لا تعترف بخصوصيات المجتمعات ولا أحلام الشباب، ماكينة تفّرمُ كل شيء حتّى نبقى على قيد الحياة والشرف”
خاص السويداء 24
يتفاقم مع الوضع المعيشي للسوريين، سعيهم للعيش الكريم والكسب الحلال، إذ لا يخلو ضيق الوضع الإقتصاديّ مع ضيق نوافذ الفرص، وإن وجد بعضها، حمّل المشاق والتعب المضني، علاوة على دونيّة الأجر المقابل للأشغال، والإحباط النفسيّ للعمل، وتبعاته الصحيّة متقاطعاً مع مجهوده.
وصدر عن مركز (OPC) للسياسات وبحوث العمليات في مدينة دمشق، أنّ رُبع عمال دمشق يعملون أكثر من 60 ساعة أسبوعياً، جامعة برصدها الأنشطة الإقتصادية من حيث طبيعة العمل والانفاق والاستهلاك، وما يتقاطع فيها بطبائع أعمال السوريين في مختلف المحافظات، بالإسقاط والتمثيل
والقواسم المشتركة للمهن والحرف.
مبيّنة في دراستها رصد 600 حالة عبر مقابلات أجرتها مع عمال بمختلف المهن، لتخلص إلى معدل ساعات العمل وسطيّا بالإسبوع بمقدار 52.5 ساعة، وهو أعلى نسبةً من المُعدّل المسموح به بموجب قانون العمل السوري لعام 2004 ، والذي حدّد متوسط ساعات العمل للعمال في كافة المحافظات السورية بـ 46,2 ساعة في الأسبوع.!
موظفون وعمّال تفوق نسبة ساعات عملهم ومعاناتهم بكثير
يتحدّث أحمد (اسم مستعار) للسويداء 24، “أخرج صباح كل يوم من المنزل، لمباشرة عملي في البيتون لصالح معلمي نجارة الخشب وهي المهنة الخاصة بالبناء والتي تتطلب جهداً وتعباً لا يوصف، خاصة وأن المباشرة في الأوقات تبدء من السادسة صباحة ولغاية الخامسة مساءً، وتصل إلى 11 ساعة ما يقارب 66 ساعة في الأسبوع، وفي أوقات كثر تتجاوز عدد الساعات هذا بكثير لمتطلبات انهاء وتسليم العمل بموعده، أضف عليها عدم وجود العطل الاسبوعية والمعاناة تطول”.
أحمد ليس وحيداً، ثمّة من لديه دكّاناً لبيع الخضار والفواكه يقاسمه سفر الرحلة الطويلة بالبحث عن لقمة العيش كل يوم له ولعائلته، يقول مناف (اسم مستعار)، “أستيقظ قبل بزوغ الشمس، هناك رحلة سفر للعيش ورحلة سفر أخرى لإحضار الخضار والفاكهة من سوق الهال، ومع كل الجهد والانتظار الطويل”
مضيفاً “أعود للمنزل في التاسعة مساءً مثقلاً برحيل يومٍ آخر من عمري، لدي ثلاثة أطفال ومع العائلة يصبحون سبعة، والديّ لهما حق عليّ طالما أنا بكرهم ووحيدهم ومالهم سواي”.
“هي حياة العمالة تحت خطّ الفقر، لا تعترف بخصوصيات المجتمعات ولا أحلام الشباب، ماكينة تفّرمُ كل شيء حتّى نبقى على قيد الحياة والشرف”
تقول إحداهنّ: “إمتهنتُ التمريض دراسة وعمل، لا أعرف سواها، وأجري الشهريّ يكاد يكفيني لإيصالي كل صباح لمكان العمل، مما أجبرني للإستناد إلى مشفى خاص ثانٍ في المدينة، لكنّ الرياح لا تجري بما تشتهي السفنُ، تعلم إدارة المسفى الخاص جيداً ما معنى الحاجة للعمل الإضافيّ للشباب وتعلم أيضاً أنه ممنوع في سلك مهنتنا، فلا تعويضٌ نحصّله مؤخراً، ولا راتبٌ ثابت نتقاضاه مع اضافات أوقات عملنا، عَداك عن الخصومات والعقوبات، هي حسنةُ ربِّ العمل، لكن مقابل كلّ جهدنا”.
تحذيرات صحيّة من ساعات العمل الطويلة.!
حذر طبيب مختصّ في حديثه مع السويداء24 من المخاطر الصحية للأشخاص الذين يعملون لساعات طويلة، مؤكداً أنهم أكثر عُرضة للإصابة بالجلطات الدماغية، وبأن يكفي أن تزيد معدل الإصابات الدماغية بنسبة 10% للذين يعملون 40 ساعة في الأسبوع.
مردفاً أن نسبة الإصابة بالجلطات القلبية والدماغية تصل إلى 60 بالمئة للذين تتجاوز ساعات عملهم 100ساعة في الأسبوع، إضافة إلى تأثيرها على نسبة الولادات وحالات الانجاب بشكل سلبي، في البلدان التي تخرج عن العمل التقليدي وعدد الساعات المتعارف عليها عالمياً.
وبالعودة إلى مركز السياسات وبحوث العمليات (OPC)، فأنّ 30,3 بالمئة باتت مهنتُهم عمّالاً متعددو الوظائف والمهن أي أنهم يعملون في أكثر من عمل في وقت واحد، بسبب تدنّي المستوى المعيشي وحالات الفقر المدّقع الذي وصل إليه السوريين، الذي يمرُّ بأسوأ مراحله منذ2011، ناهيم بهبوط قيمة الليرة السورية لأدنى مستوياتها، وعدم وجود رواتب ودخل حقيقي يحاكي الواقع المعيشي لهم.
التقرير الذي رصد ساعات العمل الطويل والعُمر القصير في حياة السوريين، أفضى لصورة مأساتهم والظلم الغير مسمّى أو موصوف لهم، فبذريعة الفقر بات الراتب مكرُمة والإجازة من الممنوعات وحياة العمّال صحيّاً تتعرض للخطر.
تقول منظمة العمل الدوليّة، هذا ما يسمى في دول قارة آسيا، بوصف ساعات العمل الطويلة والأكثر ظلماً للعمال حول العالم، “بالعمل حتى الموت”، وسوريا من تلك الدول بالتأكيد.