المرأة البدويّة في سوريا.. اضطهاد مجتمعي ومعاناة بصمت


“تقضي الكثير من نساء العشائر كلّ عام نحبها، ويكون الموت بإنتظارهن على أيدي عوائلهنّ أو أزواجهنّ، بذرائع وحجج انتفض عليها المدافعون عن حقوق المرأة، ومنظمات حقوق الإنسان مراراً، لتجنّب أذيّة محقّقة وكارثيّة”


خاص السويداء 24


تعاني المرأة البدوية في السويداء، وفي عموم سوريا، معاناة تفوق الوصف، بتعدد أشكال المخاطر التي تتعرض لها، إن كانت تلك المخاطر جسديّة أو نفسيّة عائليّة، يضاف لها تهميش ممنهج من الدولة والمجتمع على حدٍ سواء.


وبتفاقم الأزمة السوريّة، زاد معها نسبيّاً، تردّي أوضاع نساء العشائر، سيما وأنّ طبيعة الحياة التي تسلكها النساء في الأماكن التي تقطنها، تتصف بالصعوبة والمشقّة المفرطة، إذ لا تخلو إلتزاماتهنّ وسعيهنَّ كباقي أفراد المجتمع بتأمين سبل العيش، من الأعمال المجهدة لهنّ، والتي تفوق مصاعب ومعاناة أي إمرأة أخرى.!
فيما تكمن الإنتهاكات المجتمعيّة بحقهنّ، كمثل حرمانهن من الإرث ولوي ذراعهنّ أمام محاصصة الرجل لأيّاً من المواضيع المصيريّة والمتعلّقة بهنّ بشكّلٍ مباشر، كعقد قرانهنّ وتحديد شريك حياتهنّ، أو تزويجهنّ بسن مبكر، لتظلّ حقوقهنّ بالتعليم والتحصيل الدراسيّ، حُلماً يصعب على الكثير من بنات البادية.!
حقوق مهدورة ومصير بأيدي الأخرين
بحديثٍ خَجِل، أفصحت إحداهنّ للسويداء 24، التي طلبت عدم كشف اسمها، حفاظاً على حياتها، حجم معاناة وحرما نساء العشائر الممتدّة بين بادية السويداء في الجنوب السوريّ إلى شمال الأردن، موضحة بأنّ أبسط المقومات التي تُحرم منها العشائر وبالتالي تنعكس على النساء، هي دورات التوعيّة والدعم الحكوميّ كأقلّ تقدير.
وأشارت إلى أنّ الدور التعليمي قلّة من يحظون به من أبناء العشائر، وبأنّ المراحل التكميليّة منه، تقتصر على الذكور، لتبقى المرأة في نكسة التعليم وحتّى انعدام الحملات التوعويّة أو ضمّها للبرامج المدنيّة التعليميّة.
مما يؤدي لاحقاً بحالها للعزوف عن قرارات كُثر، بعضها مصيريّة كالزواج، وأخرى إقتصاديّة كتأمين باب عيش لهنّ في المستقبل، وكلّ ذلك لحرمانهنّ من التوعيّة بحقوقهنّ في الصغر، وسُلطة رجال العشيرة الذين لا يختلفون بطبيعة الحياة، وإنّما تكثُر لهم الميّزات داخل العشيرة.!
وتقول، إن طرق الإنتهاكات عليهنّ لا تتوقف، وأساليب التحايل في بعض الحالات لنزع حقهنّ منهنّ كثيرة، فالزواج ليس إختياريّاً والحب من الكبائر، وتزويجها دون مشورتها وأخذ رأيها للمرأة البدويّة، ليأخذ دور تقرير مصيرها إمّا الأب أو الأخ أو العمّ، ولتنسب هِباً ووعداً لمن لا يمتلكون حقّ الوعد والعطاء، فيُبشّر إبن العم بإبنة عمّه، ويتزوجها غير مكترثٍ أو مُبالي برأيها.
وتضيف، تسجّل حياة العشائر خروقات تتجاوز المعقول، فبرغم معيشة العناء والقهر التي تتعرّض لها نساء العشائر، يُعتدى على بعضهنّ بحقوق الإرث والترِكة، فعندما تحصل الفتاة على نصيبها من الإرث يقوم الأهل في بعض الحالات بالتحايل عليها بطرق متعددة، وسلبها ما هو ليس من حقّهم، فلا زواجها التقليدي يشكّل لها طوق نجاة، ولا عنوستها أي بعدم زواجها من أحد، يبقيها مكرّمة غنيّة عن أي نفس، وهي مكوّرة داخل منزلها لخدمة الأهل.
موتٌ محقّق بأيدي رجالهنّ
تقضي الكثير من نساء العشائر كلّ عام نحبهن، ويكون الموت بإنتظارها على أيدي عوائلهنّ أو أزواجهنّ، بذرائع وحجج انتفض عليها المدافعون عن حقوق المرأة ومنظمات حقوق الإنسان مراراً، لتجنّب أذيّة محقّقة وكارثيّة، تلاقي بها نساء العشائر في السويداء الموت، دون التفاتٍ من الجهات المختصّة أو المجتمع الأهلي، لإدراج مثل ذلك النوع من الجرائم، تحت ما يسمّى دواعي الشرف أو غسل العار.!
وكانت السويداء 24، قد وثّقت عدة جرائم فظيعة، لفتيات قضوا على أيدي أقربائهنّ، وأخريات أمّنوا لأشقائهنّ الذكور بعدما تجرأوا واختاروا شريك حياتهنّ، فغادروا معه كزوج، وفي أوّل لقاء مع أحد الأشقّاء، قُتلوا على أيديهم، إمّا رمياً بالرصاص، أو طعناً بأدوات حادة، ومع إختلاف إسلوب و أداة الجريمة، لا شيء يغطّي فظاعتها.
إضافة لوضع النساء داخل الصراعات الثأريّة، أو وجودهنّ بالمناطق الخطرة والمتوتّرة أمنيّاً، وسُجّل بهذا الإتجاه مصرع عدد من الأطفال الإناث، بذنب إرغامهنّ على العمل الشاق بسنٍ مبكّر مع ذويهم، ومع كلّ هذه الجرائم تذكّر شبكة السويداء 24 ببعضها، وكان منها.
وثّقت الشبكة مقتل إمرأة ورجلين ينحدرون من “حي اللوزة” مطلع آب/أغسطس عام 2020، على أيدي أحد مهربي المخدرات، جرّاء إطلاق نار بالقرب من السجن المدني في مدينة السويداء.
فيما ضجّت محافظة السويداء، بنبأ ارتقاء أحد أبناء عشائر بلدة “نمرة” بصحبة 3 من أطفاله البنات هم (شهد و رغد و تغريد)، حيث كانوا يستقلّون سيارة حين إنفجر بهم لغم أرضي في وادي العطش بريف درعا الشرقي، في اليوم الثامن لشهر أيّار/مايو الماضي.!


ليتبعه يوم 16 بشهر حزيران/يونيو الذي يليه، خبر مصرع مواطن مع زوجته بجريمة مروّعة وبعد أقلّ من ستة أشهر على زواجهما، حين أقدم شقيقها متحبباً لها ولزوجها اللذان عزما على الإرتباط والزواج رغماً عن رفض أهل الزوجة، ودخل إلى منزلهما، ليرتكب جريمته طعناً بالسكين ثم يجهز عليهما بالرصاص أثناء نومهما ويفرَّ هارباً.


مناشدات لمنظمات وحقوقيين


أوضح خبير اجتماعي للسويداء 24، أن مناطق البادية تحديداً، تعاني من الفقر والبطالة والأميّة وقلّة التواصل المجتمعي يضاف إليها التهميش الحكومي الغير مفهوم، وعدم وجود ثقافة حقوق الانسان وثقافة الشكوى أو الطلب لسكّانها الذي يتمتعون بأنبل الصفات وأشدّ العزائم.


مبيّناً، إن تلك المناطق البدويّة الحضريّة، رُحّلاً كانوا أو مستوطنين ومتحضرين، قد تكون رقابة الدولة بعيدة عنهم، سيما وأنّ الحالة السوريّة شهدت غياباً كاملاً لعمل مؤسسات الدولة ولكافة فئات وشرائح المجتمع، مما يضعنا أمام تحدٍّ مسؤول كمجتمع أهلي في محاربة الأخطاء والمفرزات التي صنعتها الأزمة، خاصة بتلك المناطق الضعيفة حقوقاً وموارد.


وخلص بقوله، إلى الواجبات المترتّبة على كلٍّ من مؤسسات الدولة ومنظمات العمل المدنيّ وبلا شكّ على المجتمع الأهليّ بدوائره وحلقاته، أن يواجهوا الخطر المتربّص بالمرأة البدويّة ويعملوا على إنتقالها وانخراطها بكل ما أمكن من أدوات ومشاريع، تضعها في مسار الحياة الحقّ لها، مما يشذّب من التعاطي معها داخل مجتمعها العشائري، ويعكس صفات وطيبات الخُصال التي تحملها العشائر السوريّة البدويّة.