يعيش المئات من أبناء العشائر السورية في بادية السويداء، محرومين من الجنسية والهويّة السورية، منذ سنوات، مما يحرمهم من أبسط الحقوق المدنية والسياسية والاجتماعية فضلاً عن الاقتصادية، ويُعرفون بمكتومي القيد.
وارتبط مصطلح مكتومي القيد، بعشرات آلاف السوريين الأكراد، الذين لم يشملهم إحصاء عام 1962، إضافة إلى عدد غير محدد من البدو. رغم الخلاف في طبيعة “كتمان القيد” بين الجهتين. كون مكتومي القيد من الأكراد يرتبط وضعهم بمشكلة الإحصاء المذكور، لكن مكتومي القيد من البدو يرتبط بعضهم بحالة الترحال المستمرة لبعض العائلات.
وتشير مصادر محلية من عشائر البدو، للسويداء 24، في تقديرات غير رسمية، إلى أن عدد مكتومي القيد من أبناء عشائر المحافظة، يتجاوز ألف مواطنٍ، يقطنون في البادية أو بالقرى الجنوبيّة كالقريا و ذيبين و أم الرمان، ومناطق أخرى. فلا وجود لهم على السجلات الرسمية كمواطنين سوريين يحملون الجنسية والهوية السورية.
محرومون من كل شيء.. حتى “البطاقة الذكية”
يقول أحد أبناء عشائر السويداء من عائلة الحطاب: لا أحد يتوقّع ما نعانيه، فنحن نُحرم من التعليم ودخول المستشفيات للعلاج وحتّى التنقّل بين المحافظات للإحتياجات الضرورية أو العمل وغيره، وما يدقّ أسافين الألم، أننا نعامل معاملة الإرهابيين في المواقف الصعبة أو تعرّضنا لملامسة معاملات الدولة، ريثما تتحقق الأخيرة من حالنا كمكتومي للقيد.
ويضيف أن معاناتهم تفاقمت بعد نظام أتمتة المحروقات والمواد الغذائية ومن بينها الخبز، “فنحن لا تختلف أحوالنا الإقتصادية عن السكان سوى بكونها أكثر صعوبة ومعاناة جرّاء عدم ادراجنا بسجلات الدولة كمواطنين، فاليوم لم يعد بإمكاننا حتى الحصول على ربطة خبز دون وجود “بطاقة ذكية”، وهذا لن يحصل إلا بحوزتنا على هويّات سوريّة تثبت جنسيتنا التي يحاربوننا فيها منذ عشرات السنين.
مصدر أخر من عشيرة الغياث، اشتكى من ذات المعاناة، مضيفاً أن لديه 5 أبناء حرموا من حقهم في التعليم، كما تحدث أن مشكلتهم كانت مرتبطة بالترحال المستمر، فوالده لم يحصل على الجنسية وبالتالي حُرم منه هو وأولاده، أما عمه شقيق والده، يحمل الجنسية وأدى الخدمة الإلزامية منذ عشرين عاماً، ورغم ذلك لم تجد الحكومة أي حلول لهم حتى اليوم.
حقوق مهدورة.. وعدم اعتراف بأصحاب الأرض!
يعتبر مكتوم القيد بحسب قانون الأحوال المدنية الصادر بالمرسوم التشريعي رقم 26 لعام 2007، من كان والده أو والداه مسجّلين في القيود المدنية السوريّة أو ينتمي بأصله للجمهورية العربية السورية، ولم يُسجل ضمن المدة المحددة للتسجيل في قيود السجل المدني، أي خلال 30 يومًا من حدوث حالة الولادة.
ويحرم مكتوم القيد، من حقّه في الملكية التي يمكن أن تؤول إليه عن طريق الإرث أو المنح أو غيره، لأن معاملات حصر الإرث وانتقال الملكية تعتمد في الأساس على سجلات الأحوال المدنية، وبالتالي فإن مكتوم القيد غير المسجل في هذه السجلات لن يظهر اسمه في قيود هذه المعاملات، الأمر الذي يحرمه بشكل طبيعي من حقّه بحصوله على الملكية.
ورغم إصدار الحكومة السوريّة مطلع عام 2011، قراراً يمنح بموجبه ما يسمّى المكتومين الأجانب القاطنين في الجزيرة السوريّة حقّ منحهم هويات سوريّة تمتعهم بكامل الحقوق والواجبات، وأيضاً قرار وزير الداخلية رقم 182 عام 2019 والذي يعني بأبناء السوريين المهاجرين والمغتربين. والذين أنجبوا أطفال من أبوين سورييّن خارج سوريا وأمضوا سنين عدّة وطويلة لم يعودوا فيها للبلاد، وتمّ منحهم جنسيات أجنبية. إلا ان المشكلة لم تجد حلاً.
رشاوى مقابل الجنسية
يعاني مكتومو القيد، من تهميش حكومي، مما يجعلهم لقمة سائغة للنصَّابين، يوضح أحد المصادر، أنّ عائلته قدمت كافة أوراق المعاملات لدى الجهات المختصّة، لاصدار قيود رسميّة لأحوالهم، مؤكّداً أنّ المتقدمين من المواطنين ولناحيتهم فقط المأهولة بالسكّان، تجاوز عددهم 100 عائلة.
لافتاً إلى أنّ الحكومة لم تتجاوب معهم، لكونهم ينتمون لعائلات تتواجد في دول مجاورة، متناسية طبيعة تداخل سكّان المنطقة وخاصة القاطنين بالمناطق الحدودية، وأيضاً حالات الإقتران بين الأخوة كمثال أخيه الذي حصل على الجنسية، وحرمانه هو منها ورفض طلبه من الحكومة السوريّة.
وبيّن أنَّ هذا الرفض المبهم من الحكومة والعراقيل غير الموضوعيّة، أسهمت في خلق نوع خاص من الإبتزاز، إذ نشط معقّبو معاملات، بالعمل على إصدار هويّات سوريّة لبعض المكتومين، مقابل مبالغ مالية كرشاوى، وصلت العام الماضي لقيمة مليون ليرة وتخطّت هذا العام المليونين، داعياً الجهات المختصّة والوزارات المعنيّة للأخذ بحقوقهم المشروعة، وأيضاً بأنْ يقوم المجتمع بمناصرتهم لإظهاره حقّهم، ليصلوا إلى مطلبهم والبسيط، بأن يعاملوا كأيّ مواطن سوري.