ظاهرة التسول في السويداء.. بين الفقر والشبكات المنظمة

تتفاقم ظاهرة التسوّل في محافظة السويداء، مع تردي الوضع المعيشيّ، وتراجع قدرة الأهالي الماديّة، أمام ما خلّفته السنوات الماضية، من أزمات اقتصادية متعددة.

ظاهرة التسول المتزايدة، لا تستثني إمرأة أو كهلاً ولا عاجزاً أو طفلاً أو رضيعاً. ولا حتّى بأشكال التسوّل وإمتهانه، إن كان ببيع سلعٍ مُعينة، أو تقديم بعض الخدمات كمسح زُجاجِ السّيّارات. أو تسوّل واضح بطلب المال مباشرةً، أو التسوّل العَرَضي أو الموسميّ أي بفترة الأعياد، أو الحِرفيّ كإتخاذه حرفة ومهنة تقف وراءها شبكات منظّمة.

يقول أحد أصحاب المحال التجارية في السويداء، إنه يشاهد عشرات المتسوّلين يوميّاً، وتتعدّد أوصافهم كأشخاص بين رجال ونساء، كبار بالسن و أطفال يمتهنون بيع العلّكة حيناً أو يحملون على علب البسكويت، يخفون خلفها عوزهم أو مهنتهم.

ويضيف: “يدخلون إلى المحال ويطلبون قوت يومهم من الطعام أو المال، بعبارات الدعاء أو الإستجّداء وطلب العطف، ولا يختلفون بحالتهم النفسيّة والجسديّة التي يرثى لها، إلّا بحلول الأعوام القليلة الماضية، حين صرنا نشاهد وجوهاً جدد لم تظهر من قبل، توعز بأنّ بيوتاً مستورة فكّكها الجوع وضرب أطناب حيلتها الفقر”.

عدسة السويداء 24.. وقصص مؤلمة

رنيم طفلة بعمر 9 سنوات، تبيع العلكة والأقلام مساعدةً منها لأسرتها المكّونة من أخوين إثنين وأمها. والدها متوفي، تقول رنيم: “كنّا مع إخوتي نرتاد المدرسة قبل عام فقط، لنفقد المعيل الوحيد لنا بسبب مرضٍ عضال، أمي تعمل في تنظيف البيوت وإخوتي يفترشون شوارع المدينة معي كي نحظى ببعض النقود يوميّاً منها المئة والمئتين وفي أيام نفوز بخمسمائة”.

بغصّة الأب المحروق. “لا أعرف شيئاً عن أو لادي، ليس لديّ طريق آخر سوى الخيّرين من المارّة، حتّى أحصل قوت يومي”. يضيف كاهلٌ تخطّى السبعين من عمره لمراسلنا: “ركبتيّ أصبحتا تخذُلاني في المشي. تبرّع لي أحد المحسنين بعكّاز وأخر بجهازٍ للمشيّ، ودأبت جمّعيات كثيرة على مساندتي لفتراتٍ من الزمن ومنها الدّار الإجتماعيّة، إلّا أنّها جميعها توقفت.

جود (اسم مستعار) لم يُشر إلّا على شخصيّات لم يفصح عن هويتها، تقف خلف عمله بالتسوّل وتفرض عليه إتمام عمله اليوميّ. بغموض مكبوت لمعاناةٍ تثير استغراب من شاهده على كتّمانها وهو لم يتعدّى الثانية عشّر من سنه.

قوانين لمنع التسوّل دون جدوى

أفادت المديرة السابقة لمديرية الشؤون الاجتماعيّة والعمل بشرى جربوع، العام الماضي، أنّ المديريّة بالتعاون مع لجنة مكافحة التسوّل والهلال الأحمر وقوى الأمن الداخلي بالسويداء، نجحوا بإنتشال 50 طفلاً من مشغّليهم ومستغليهم بعمل التسوّل.

موضّحة أنّه وبرغم انتشال هذا العدد من الأطفال، ظهر عدد جديد منهم إضافة إلى المعمّرين المتسربين من داخل مركز الرعاية، مؤكّدة على أنّ دار المسنين في السويداء تأسست عام 2001 وتضم 40 غرفة مخدّمة وحديقة، وتقدّم الرعاية الصحيّة من خلال مستوصف بداخلها.

فيما أشار ناشطون في محافظة السويداء، إلى حدثٍ وصف بالصّادم، حين زار وفد الحكومة السوريّة المحافظة، برئاسة حسين عرنوس رئيس الوزراء و 13 وزيراً مرافقين، في 23 أيّار/مايو الماضي. رصدوا اختفاء المتسوّلين من شوارع المدينة وبالأخصّ من أمام المراكز التي زارها الوفد، كمبنى المحاقظة والمركز الثقافي وفرع الحزب، وأيضاً الشّوارع التي مرّوا عبرها، بإشارة إلى تحكم شخصيات نافذة بشبكات المتسوّلين وتشغيل الأطفال.

التسوّل وظاهرته المتفاقمة يوماً بعد يوم في السويداء، تنذر بإنهيارٍ أُسريّ وتدميرٍ نفسيّ للأشخاص المتسوّلين، عمّا يخلّفه هذا العمل من أثار سلبيّة. إذ تتجة الدول لمكافحته بشتّى القوانين والأساليب ومنها سوريا، حين أصدر رأس السلطة بشّار الأسد القانون رقم 8 لعام 2019 والقاضي بتعديل مواد من قانون العقوبات الصادر بالمرسوم التشريعي رقم 148 تاريخ 22/6/1949 والمتعلقة بمعالجة ظاهرة التسول. إلّا أنّ ما تعكسه شوارع المدينة، لا يظهر أي نوع من المعالجة أو توخي الحيطة ومؤازة العائلات المنكوبة ماديّاً ونفسيّاً، ويوحي بمستقبلٍ أسود وما من مجيب لمعاناتهم. والحديث يطول.