الآثار الخفية للحرب.. الصحة النفسية للسوريين

لم تعد الإضطّرابات النفسية الناتجة عن الصدمات التي تلقّاها السوريون، بالأمر الخافي على أحد، إلّا أنّ آثارها وتداعياتها تبقى طيّ الكتمان، لكثرة المفاهيم الخاطئة حولها، ناهيك عن قلّة التدابير والإمكانات حول علم النفس في سوريا.

فاتورة الحرب والفقر.. تدفعها حالتنا النفسيّة أولاً

بحديث خاص أوضحت مرشدة نفسية للسويداء 24، حجم الدمار لدى الأفراد في صحّتهم النفسيّة، مبينة أنّ ما شهدته سنوات الحرب الأخيرة، له انعكاسات خطيرة، ينبغي بموجبها معالجة جميع من كانوا شهوداً على أحداثها.

وتقول: “عانى المجتمع السوري من الحرب والصراعات لعقد من الزمن، اعتاد خلالها السوريون على مشاهد القتل والموت والدمار والنزوح، وكبُر الأطفال على ثقافة العنف”، وتضيف، من أسوء الأزمات أيضاً، الضائقة المعيشيّة وغياب العيش الكريم والحقوق، وانهيار المؤسسات الصحية والتعليمية.

وأكملت: نتائج الأزمة لا زالت تظهر تباعاً والتدهور سيكون طويل الأمد وما رأيناه مجرد غيض من فيض والكارثة الحقيقية غير مرئية للعيان ولا تظهر بشكل جلي إلّا بعد سنوات عديدة وخصوصاً على الأطفال وهي اضطرابات الصحة النفسية والعقلية.

طُرق العلاج.. حربٌ أُخرى

مع تعدد أنواع الإضطرابات النفسية ومخاطرها على الأجيال المستقبليّة، تبيّن المرشدة النفسية بحديثها، أنّ الأزمة أنشأت مجتمع مضطرب نفسياً واجتماعياً واخلاقياً ، إضافة إلى تحريضها لظهور امراض نفسية موجودة مسبقاً.

مشيرة بأنواع الإضطرابات التي شهدها المجتمع السوري ونتائجها، فمن أنواعها الشائعة، اضطراب ما بعد الصدمة والاكتئاب والخوف والقلق والتوتر الشديد والامراض النفسية كالذهان والاضطرابات الاجتماعية والاضطرابات السلوكية والسلوك الانتحاري والافكار السلبية ،اضافة للصعوبات المتعلقة بالتطور والمعرفة وانتشار العنف بكافة اشكاله وازدياد ظاهرة تعاطي المخدرات وحالات الانتحار والتسول.

كلّ هذا يخلق تحديّاً جديداً، موضحة بأنّ “هذه الفئات المضطربة في المجتمع بحاجة الى علاج سريع لمنع تفاقم حالتهم الصحية والنفسية، وبأنّه يستلزم من مقرري إعادة الإعمار في البلاد وتخليص المجتمع من الأزمة، النظر الجاد بتطوير البنى التحتيّة لقطّاع الصحّة النفسيّة، من حيث المراكز والمشافي والكوادر المعنيّة والمختصّة، بمجال علم النفس.

..سوريا أين من ذلك؟

“بكلّ أسف، جميعنا نحتاج لعلاجٍ نفسيّ، حتّى الأطباء أخصائي الأمراض النفسيّة، يراجعون أطباء أخرون بذات المجال، لما سمعوه وعايشوه وعانوه من مرضاهم ومراجعي الإضطرابات لديهم، ولكن ما يصنع فارقاً حقيقيّاً تقول هو نقص عدد الأخصائين والمفاهيم الخاطئة حول الطبابة النفسيّة في المجتمع”.

مبيّنة بأنّ عدد الأطباء المختصين بهذا المجال في سوريا لا يتجاوز 70 طبيب، العدد الذي يعدّ خطيراً أمام تعداد السكّان إذا ما حاصصّناه، فسنجد لنصيب أكثر من 300 ألف مواطن، طبيبٌ واحد، أضف إليها عدم نشر التوعية النفسيّة من قبل الحكومة، ما جعل التفريق ما بين الإضطراب والمرض والجنون، أمر يصعب على العامة، وعليه فإنّ سوريا من الدول المتأخرة بمجال الطبّ النفسيّ جداً.

ماهي الصحّة النفسيّة

تعرّف منظمة الصحّة العالميّة وفقاً لتعاليمها، بأنّها “تعني الحياة التي تتضمن الرفاهية والاستقلال والجدارة والكفاءة الذاتية بين الأجيال وإمكانات الفرد الفكرية والعاطفية.كما أنّ منظمة الصحة العالمية نصت على أن رفاهية الفرد تشمل القدرة على إدراك قدراتهم والتعامل مع ضغوط الحياة العادية والإنتاج ومساعدة المجتمع”.

مؤكّدة، بأنّ “الصحة النفسية أو الصحة العقلية هي مستوى الرفاهية النفسية أو العقل الخالي من الاضطرابات،”وهي الحالة النفسية للشخص الذي يتمتع بمستوى عاطفي وسلوكي جيد”،من وجهة نظر علم النفس الإيجابي أو النظرة الكليّة للصحّة العقليّة، أي بأن تتضمن قدرة الفرد بالاستمتاع بالحياة وخلق التوازن بين أنشطة الحياة ومتطلباتها لتحقيق المرونة النفسية”، بحسب تعريفها.

و برغم تفاوت المفاهيم حول الصحّة النفسيّة بين مجتمع وأخر، وخلوص الخبراء والأطباء لإنتاج سلوكيّات حقّة على الأفراد ليبقوا في عافية حياتهم، لإحتواءها على الطريق السليم جسدياً وعقلياً، فإنّ المجتمع السوري عموماً والسويداء خصوصاً، تفاقمت ظواهر الأزمات فيها، من حالات انتحار واعتماد بعض السلوكيات الدخيلة، وعزوف المعنيين من هرم السلطة إلى كعبها عن الإجابات حول مستقبل الأجيال، يبقى السؤال، من المنقذ، وأين سيصل المجتمع بتتمة هذا الحديث.؟