تزامناً مع انطلاق حملة 16 يوماً، لمناهضة العنف ضد المرأة، لا يزال الاضطهاد والعنف ضد النّساء، أحد أكثر انتهاكات حقوق الانسان شيوعاً. ويطال الكثير من النّساء، في مختلف المجتمعات، خصوصاً في سوريا، والعالم العربي عموماً.
وتعتبر الحملة، حدثاً عالميّاً سنويّاً تنظّمه الأمم المتحدة، بهدف إطلاق صرخة للدّفاع عن حقوق المرأة، عبر شعار “لوّن العالم برتقالياً: فلننهِ العنف ضد المرأة الآن!”، وتمتد المبادرة 16 يوماً من 25 تشرين الثاني، وحتى يوم 12 كانون الأول، من كل العام، ليصادف اليوم الأخير من المبادرة، مع اليوم العالمي لحقوق الإنسان.
سوريا من أسوء الدول على المرأة لعام 2021
احتلت سوريا المركز الثاني في ذيل مؤشر السلام والأمن للمرأة (WPS) الصادر عن معهد جورجتاون للمرأة والسلام والأمن، ومركز بريو للجندر والسلام والأمن، في الأمم المتحدة، تليها أفغانستان. وبحسب المؤشر، فإن سوريا هي الأسوأ عالمياً، فيما يتعلق بالعنف المنظم، والأسوأ إقليمياً، فيما يتعلق بسلامة المجتمع.
كذلك صنفت لجنة الإنقاذ الدولية، سوريا واحدة من أسوء 5 دول لتكبر فيها الفتاة، حيث فاقمت الحرب السورية من معاناة المرأة، لتشهد أنواعاً مختلفة من التّعنيف. إذ فاق عدد القتلى من النساء خلال 10 سنوات من الحرب، 14 ألف امرأة، وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان. وتعمّق اضطهاد المرأة في أثناء الصراع، لتزداد معدّلات زواج القاصرات، من 3% قبل الحرب، إلى 13% في عام 2019، بحسب تصريحات القاضي الشرعي الأول في دمشق، محمود المعراوي.
أنواع العنف القائم على النّوع الاجتماعي
يُعرّف العنف ضد المرأة بحسب الإعلان الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة: “أي فعل عنيف تدفع إليه عصبيّة الجنس ويترتب عنه أو يرجح أن يترتب عليه، أذى أو معاناة للمرأة سواء من النّاحية الجسمانيّة أو الجنسيّة أو النّفسيّة، بما في ذلك التّهديد بأفعال من هذا القبيل أو القسر أو الحرمان التّعسفي من الحرية، سواء حدث ذلك في الحياة العامّة أو الخاصة”.
وتتنوّع أشكال العنف ضد المرأة ومصادره، منها ما يُدعى بعنف العشير مثل الضّرب، الإساءة النّفسيّة، الاغتصاب الزّوجي أو قتل النساء. أما النّوع الثّاني من العنف، يشمل العنف الجنسي والمضايقات الجنسية، ومنها الاغتصاب، التّحرّش الجنسي، الاعتداء الجنسي على الأطفال، الزواج القسري، الملاحقة، أو المضايقة الإلكترونية. ومن أنواع التعنيف التي قد تواجهها المرأة أيضا، الاتجار بالبشر، من الاستعباد أو الاستغلال الجنسي، وكذلك زواج القاصرات أو تشويه الأعضاء التناسلية للإناث.
المرأة السّوريّة وحيدة في معركتها ضد العنف
المرأة السّوريّة وحيدة في معركتها ضد العنف.
يعتبر المدافعون عن حقوق المرأة، القانون السّوري قاصراً في مواجهة العنف ضدها، في العديد من النّواحي. إذ لا يزال القانون السّوري حتى اليوم، يفتقد للمواد الخاصّة بالعنف الأسري. بالرّغم من تأكيد رئيس الهيئة العامة للطّب الشّرعي في سوريا، ازدياد نسبة العنف الأسري، ووصول نسبة النّساء المُعرّضات للضّرب إلى 50% في عام 2016.
ويعامل تعنيف المرأة داخل المنزل، كأي اعتداء آخر على أحد المواطنين، دون وجود آليّة تضمن حق المرأة دون تعريضها للتّهديد من قبل الجهة المعنّفة، لا سيّما أن كثيرات يصمتن عن العنف، خوفاً من خسارة أطفالهن أو لعدم وجود مأوى لهن أو تأمين مادي.
ومن أوجه القصور التي ينتقدها ناشطون، عقوبة التحرش اللّفظي في القانون السوري، حيث نصّت المادة 506 من قانون العقوبات، على حبس المتحرش من يوم إلى 3 أيام أو تغريمه من 500 إلى 2000 ليرة سورية فقط، في حال توجّه بكلام منافي للحياء في الشارع لامرأة أو حتّى قاصر.
ولم يتوقّف الأمر على ذلك، بل كافئ القانون السّوري المغتصب، بتخفيف عقوبته وفقاً للمادة 9 من قانون العقوبات، في حال عقد زواجه على ضحيّته، يستفيد من العذر المخفف وفق أحكام المادة /241/ على أن لا تقل العقوبة عن الحبس سنتين ويعاد إلى محاكمة الفاعل إذا انتهى الزواج إما بطلاق المرأة دون سبب مشروع، أو بالطلاق المحكوم به لمصلحة المعتدى عليها قبل انقضاء خمس سنوات على الزواج، ليضعها أمام ضغط المحيط القاهر للزّواج خوفاً من ثقافة العار، لا بل تجاهل القانون تماماً جرائم الاغتصاب الزّوجي، فنصّ في المادة 489 على عقوبة من اغتصب “غير زوجه” دون ذكر أي عقوبات للاغتصاب الزّوجي.
كما نص المشرع السوري في المادة 18 من قانون الأحوال الشخصية حول زواج القاصرين “إذا ادعى المراهق أو المراهقة البلوغ بعد إكمال الخامسة عشرة وطلبا الزواج يأذن به القاضي إذا تبين له صدق دعواهما واحتمال جسميهما.. ومعرفتهما بالحقوق الزوجية.
إذا كان الولي هو الأب أو الجد اشترطت موافقته.”
وبهذا تجاهل المشرع السوري المؤهل النفسي غير المتوفر للزواج، وضارباً بعرض الحائط الدّراسات النفسية والاجتماعية ونشرات منظمات حقوق الإنسان، التي تعتبر هذا الزّواج كارثة اجتماعية وأحد أنواع العنف ضد القاصر، بغياب آليّة حقيقيّة لحمايتها أو تأمين بديل آمن لها.
ويبقى الوعي المجتمعي لمخاطر تعنيف المرأة والكبت على أفكارها ومشاعرها أحد أهم الجوانب المساهمة في بناء مجتمع صحيح نفسيّاً، وأكثر قدرة على الإنتاج والإبداع، أما تجاهل العنف والصّمت عنه فهو لا يودي بالأسرة والمجتمع إلّا لمزيد من الانحطاط والتّفكك.