مكبات السويداء.. موت بطيء وإهمال حكومي

منذ سنة ونصف تقريباً تمّ تسليم موقع مكب كناكر إلى شركة خاصة لتشييد ما قالت إنه معمل “لتدوير النفايات الصلبة”. ونص العقد على الانتهاء من بناء المعمل بعد ستة أشهر من تاريخ تسليم الموقع. ومع ذلك، لا يزال الحرق الممنهج للنفايات الصلبة، بما فيها العضوية، مستمراً، ولا أثر بعد للمعمل.

وتنتج مدينة السويداء لوحدها حوالي 250 طناً يومياً من النفايات الصلبة، يتم تجميعها في مكب كناكر غربي المدينة. ويعالج المكب النفايات بطريقة الحرق المكشوف لها، منذ عشرات السنوات، من دون تمييز ولا فرز، ما يتسبب بانبعاث غازات خطيرة ملوثة للبيئة ومسرطنة للإنسان. ولا يبدو أن الحكومة السورية، ولا محافظة السويداء ومجالسها البلدية، مهتمة بحل الأزمة، طالما أنها تتسبب بالموت البطئ للناس والطبيعة.

في مطلع العام 2020، وقع مجلس مدينة السويداء عقداً مع شركة بانيت الهندسية، لتشييد معمل تدوير للنفايات الصلبة، في موقع مكب كناكر على مساحة 100 دونم. وليس واضحاً إن كان المعمل مختصا بمعالجة النفايات العضوية فقط، أم أن ذلك سيترافق مع انشاء مطمر بيئي للنفايات الصلبة غير العضوية. وتحفل مجمل الإعلانات الرسمية التي رافقت اطلاق المشروع بالخلط بين موضوعي النفايات العضوية والصلبة. ولكن، يبدو أن المعمل مخصص فقط لمعالجة النفايات العضوية بطريقة التخمير اللاهوائي، والذي ينتج من النفايات العضوية أسمدة عضوية، وغازاً طبيعياً يمكن استخدامه لتوليد الكهرباء، ومياهاً صالحة لسقاية المزروعات.

وكانت المحافظة قد سلّمت موقع المكب للشركة المنفذة، أواخر آب 2020، على أن تكون مدة تنفيذ المعمل ستة أشهر من تاريخ تسليم الموقع. ونص العقد على أن يتم تخصيص 20% من الأرباح لصالح المحافظة، وتسليم المعمل للمحافظة بعد 25 عاماً من بداية الاستثمار فيه.

وتبلغ قيمة إنشاء المعمل 20 مليار ليرة سورية. ومن المفترض أن يُشرف فريق فني من روسيا، على إنشاءه. لكن، حتى الآن لا يوجد أي تبرير من الشركة أو المحافظة أو الخبراء الروس، لأسباب التأخير في إنجاز المعمل. ولا توجد معلومات متوفرة عن شركة بانيت المنفذة، ولا أصحابها، ولا خبراتها في هذا المجال، ولا كيف حصلت على العقد.

ويبدو أن من أسباب التأخير هو تعامل السلطات في دمشق باستنسابية مع قضايا محافظة السويداء وعدم صرف المستحقات اللازمة المالية لها إلا على شكل إعاشة مقابل الولاء السياسي. في اللاذقية على سبيل المثال، بدأت مديرية الخدمات الفنية الأسبوع الماضي، إغلاق مكب الصبة للنفايات الصلبة لاستبداله بمطمر حديث في منطقة قاسية بعد الانتهاء من أعمال البنى التحتية فيه. ويعد مطمر قاسية نواة لأحد أكبر المشروعات البيئية الضرورية في المنطقة الساحلية.

بينما الحديث في السويداء لم يتجاوز لحد اللحظة انشاء معمل لتدوير النفايات العضوية، بينما لم يتم تقديم أي اقتراح بعد لمشروع مطمر حديث يعالج بقية النفايات الصلبة، وهي موضوع تفوق أهميته وخطره موضوع النفايات العضوية. إذ أن النفايات العضوية قابلة للتحلل، بينما النفايات الصلبة الأخرى وتشمل البلاستيك والمعادن والنفايات الطبية والهندسية، بحاجة لمعالجة حقيقية في مطمر حديث بعيدا كلياً عن الحرق.