يجري مؤخراً تداول “وثيقة عهد وميثاق شرف” في السويداء، تبناها بعض الوجهاء، تدعو العائلات للتوقيع عليها، وتهدر دم من يُقبض عليه بالجرم المشهود تحت عنوان “قتيل العار لا دية ولا ثأر”، وتطالب “الجهات المختصة” أخذ دورها وإيقاع أقصى العقوبات على الفاعلين، اضافة إلى الحرم التقليدي من مقاطعة تامة.
وبررت الورقة المنبثقة عن اجتماع بعض وجهاء العائلات في مقام عين الزمان منتصف الشهر الحالي، أن ما جاء بها لرفع المظالم ولترسيخ “القيم النبيلة” ودرأً لاستفحال الجريمة واتساع رقعتها وتراخي ضعاف النفوس في مكافحتها، ولمؤازرة القانون والسلطة القضائية ومنعا لتضييع الوقت وهدر الحقوق ووقوع الفتنة.
الورقة التي تأتي في وقت مريب تشهد فيه المحافظة تطورات أمنية غير مسبوقة، تدعي أنها تناصر القانون والقضاء، لكنها تنتهك بذات الوقت أبسط حقوق الإنسان والقوانين السورية، وتهدر دماء المواطنين دون ذكر من طرح الورقة أو من سيوقع عليها ويمنحها الشرعية بالإفتاء بسفك دماء الناس، ذاهبين إلى النتائج دون أن يسألوا أنفسهم عن الأسباب التي دفعت بقلة من أبناء المجتمع للتورط بأعمال خارج القانون، وحتى باعتماد أبسط قواعد المحاكمة العقلية التي يفتقدها البيان وهي أن تكون العقوبة متناسبة مع جنس الفعل، فهل يعقل أن يقتل الإنسان لقطعه شجرة أو سرقة كبل؟!!!!
وحول تفويض الجهات المختصة بتنفيذ أقصى العقوبات والافتاء لها بقتل الناس، لم يبين أصحاب البيان من هي الجهات المقصودة، فبحسب العرف هذه التسمية تطلق على الأجهزة الأمنية والشرطة والقوى العسكرية التابعة للسلطة، وهي ليست مخولة أو مسؤولة عن معاقبة الناس بل المسألة متروكة للقضاء وهو المخول بإصدار الأحكام المناسبة.
وحول هذه الورقة التي تعتبر اجتراراً للكثير من الأوراق والبيانات الصادرة عن المشايخ والوجهاء المطالبة بتدخل السلطة في وضع حد للعصابات في السويداء، التي يرتبط معظمها في الأصل بالأجهزة الأمنية ويعملون بغطاء منها. وتصل حد رعونة بعضهم في المطالبة بتدخل الجيش.
ولكن تبقى الحقيقة أن الحل في السويداء يبدأ برفع الأجهزة الغطاء عن الخارجين عن القانون الذين لا ينقطعون عن التردد إلى تلك الأجهزة، وتفعيل دور الضابطة العدلية، وصيانة استقلالية القضاء، ومنع تدخل الأجهزة الأمنية في شؤونه. وتفعيل دور السلطات المحلية والمطالبة بالمزيد من السلطات الحقيقية التشريعية والتنفيذية لها، عوضاً عن إطلاق “فتاوة” هدر الدم.