السويداء: هل تتجاوب الدولة المفلسة مع أوجاع المحتجين ؟

شهدت السويداء وقفات احتجاجات في مناطق متعددة اعتراضاً على قرارات حكومية بوقف الدعم عن شرائح واسعة من الناس. ولجأ المحتجون إلى قطع بعض الطرق الرئيسية والفرعية، ومنها طريق دمشق-السويداء.

ومع ساعات الصباح، أغلق محتجون طريق نمرة-شهبا بالإطارات المشتعلة، ومنعوا استخدامه إلا للحالات الإسعافية. ورفض الأهالي وساطات من مقربين من السلطة لإنهاء الاحتجاج. لكنهم، فضّوا وقفتهم تلقائياً بعد الظهر، معلنين رغبتهم تجديدها الأحد المقبل، إن لم تتراجع الحكومة عن قراراتها “الظالمة”.

كما قطع مدنيون، برفقة جماعة أهلية مسلحة، طريق دمشق-السويداء. وبعد تدخل وساطات، وافق المحتجون على تشكيل وفد يمثلهم للالتقاء بمحافظ السويداء نمير مخلوف. وقال المحافظ للوفد إن مطالب السويداء قد وصلت لدمشق، متعهداً ألا يشمل قرار رفع الدعم الخبز.

في ريف السويداء الجنوبي، أغلق محتجون من بلدة القريّا منافذ بيع الخبز في الفرن، الأمر الذي تكرر في الغاريّة. واضطر مسؤولو الأفران إلى توزيع الخبز بالسعر القديم.

وحافظت الحركة الاحتجاجية على سلميتها وطابعها الأهلي. وتخلل ذلك، وبعيداً عن التجمعات الشعبية وفي غير أوقات تواجد الموظفين، إلقاء قنابل يدوية قرب الفرن الآلي في السويداء، ومركز خدمة المواطن في شهبا، ومبنى بلدية شقا. وأحدثت تلك القنابل أضراراً مادية فحسب. وتعتبر هذه الطرق العنيفة في التعبير، سلمية ومشروعة، طالما أنها لم تهدد حياة أحد.

الطابع المطلبي، وشكل الاحتجاج الأهلي، لم يرق كثيراً لبعض أطياف المعارضة التي فضّلت الغياب عن المشهد برمته، في الوقت الذي رفعت فيه جهات مدنية سقف المطالب، وطالبت بإعادة النظر في شكل وتوزيع الثروة في سوريا.

وتكشف مطالب المحتجين، الذين رصدتهم كاميرا السويداء 24، في وقفاتهم الاحتجاجية عن حقائق موجعة يعيشها الناس. هنا، الفقر وانعدام الأمن الغذائي، ليسا خطاً بيانياً يمكن الانزلاق تحته بسهولة، بل حصيلة سياسات اقتصادية تمعن في الاجهاز على دور الدولة الرعائي. ولا يبدو مأزق السلطة الحاكمة سهلاً، فهي ونتيجة خياراتها السياسية، باتت بلا موارد اقتصادية بعدما بددت نواتج الدخل القومي وثروات سوريا في خدمة معركتها ضد الشعب، منذ العام 2011. واليوم، لا تجد هذه السلطة التي باعت ما تبقى من ثروات للروس والايرانيين، سوى بطون الناس، بعدما أجهزت على ما تبقى في جيوبهم.

دولة مفلسة، وسلطة لا تفكر سوى بالبقاء ولو على أشلاء الناس، لا يمكنهما التجاوب مع أوجاع المحتجين. ورغم مطالبة البعض من “السيد الرئيس” التدخل لوقف اجراءات “الحكومة الفاسدة الظالمة”، فالكل يدرك اليوم، أن ما يحدث من تجويع حقيقي للشعب، لا يمكن أن يوقفه وزير من هنا، ولا اسكافي من هناك، ولا رئيس بينهما. المشكلة اليوم، وأكثر مما كانت في العام 2011، بمعناها البسيط: العدالة في توزيع الثروة الوطنية، والشفافية في طرق صرفها، وتوظيفها في خدمة الناس لا في سبيل قمعهم. وهذا بكل بساطة يعني شيئاً واحداً: التداول السلمي للسلطة، بغرض حل مشاكل الناس، وتأمين حقوقهم، لا استدامة افقارهم وتجويعهم.

احتجاجات اليوم، تعكس حالة الاحتقان في الشارع، وقد ينجح النظام في امتصاصها، عبر إعادة الدعم للخبز لفترة وجيزة، مع رفع الدعم عن المازوت والبنزين بشكل نهائي. في كل الحالات، ليس لدى هذه السلطة سوى رفع الدعم كلياً، عن كل الناس، عاجلاً أم آجلاً، لأنها ببساطة لم تعد تملك شيئاً، حتى المشروعية.