“راتبي لا يغطّي نفقة المواصلات إلى المدرسة، ولا أيّاً من ارتفاع الأسعار التي نشهدها، حالتنا يرثى لها. ومهنة التعليم، باتت أضحوكة لمن يتكئ عليها، بعدما كانت مقدّسة كالنبوءة”.
بهذه العبارات يبدأ بسام، مدرّس المواد العلميّة حديثه للسويداء 24، في محاولة الإجابة عن ماهية الوضع الذي وصل إليه المعلمون، مؤكّداً عزوف كثيرين عن العمل بالوسط التعليميّ في ظلّ الظروف الراهنة. وقال إن كلّ الزيادات ورفع الأجور وطبيعة العمل والمكافآت، لا تواكب الأزمة المعيشيّة الخانقة التي تعصف بجميع السوريين، “ناهيك بالمزايا التي تغلق أفواهنا كمدرّسين بتسمياتها، ولا تغني منّا أحداً”.
أجور معدومة ومعلمون تحت الحصار
بحديث إحدى المدرّسات مع السويداء 24، أوضحت صرامة وزارة التعليم من ناحية التعاطي مع أعمال موظفيها الرديفة لتأمين التزامات أسرهم، مبيّنة بأنّ كل عمل خارج السلك التعليمي التابع للوزارة، يهدد المعلّم بمقاضاته. هذه التعليمات التي كان قد كشف عنها نقيب معلمي سوريا وحيد زعل في شباط/فبراير عام 2020، بأنّه وفي إطار محاربة عمل المعلمين في معاهد غير مرخصة ومخالفة، والدروس الخاصة، أقرت وزارتي التربية والمالية حينها رفع تعويض طبيعة العمل من 7٪ إلى 30٪.
مشيراً إلى أنّ هذه الترفيعات مع إصدار بشار الأسد المرسوم التشريعي رقم (27) لعام 2020، حين نصّ على منح المعلمين في وظائفهم تعويضات تصل إلى 40 في المئة، تأتي حسب قول زعل، لعدم القبول بأن يمارس المعلم مهنة، كسائق تكسي أو بائع خضار، وحصر وظيفته كمدرّس ضمن إطار منظم ومؤسسات مرخصة.
مزايا التدريس حبر على ورق!
رغم عمل الحكومة السوريّة على تفعيل دور نقابة المعلمين من جهة استحقاق أبناءهم والخدمات الصحيّة في صيدليات النقابة ومخابرها والعيادات المتعاقدة، تظلّ جودة الخدمة معدومة أمام متطلّبات المدرّس المتقاعد.
يقول أبو أيمن (65 عاماً): عملت بمهنة التعليم ثلاثون سنة، أبنائي الآن أطباء ومحامون ومهندسون وتجّار أصحاب شركات وأعمال، بقدر فرحي حين ألقاهم مصادفةً في شارعٍ أو مكانٍ ما، بقدر حزني الداخلي عمّا أعانيه أمام الضائقة المعيشيّة الآن.
ويضيف “أقبل بعد زيارة الطبيب لأستنجد بالنقابة، بارزاً دفتر الإشتراك أمام صيدليتها، فلا أجد دوائي الموصوف من الطبيب، راتبي لا يتعدّى بعد هذا الشيّب بتربية الأجيال ما يعادل 25 دولاراً، وأبنائي كحال الشبّان في هذا البلد المنهار، ولا حبوب تنظيم لدقّات قلبي”.
نقص بالمعلمين.. وحكومة تلعب وتدور
أفاد مصدر مطلع في مديريّة تربية السويداء، بأن أعداد الكوادر التدريسيّة في المحافظة يشهد نقصاً مريباً، بعد عزوف كثر عن الإعطاء بالمهنة، والتوجّه للسفر أو الأعمال الحرّة، ليواكبوا الغلاء المعيشيّ.
موضحاً، بأنّ تعاطي الحكومة مع هذه الإثارة المريبة، اقتصرت على فتح أبواب استقبال مدرّسين من طلبة وخريجين بنظام بدائل ساعات العمل، ليغطّوا النقص الحاصل في الكوادر.
وأكد أنّ الحكومة السوريّة تعلم أشدّ العلم، كيفيّة حماية قطّاع التعليم، عبر انصاف المدرّسين واعلاء وضعهم المعنوي والشخصيّ، وبأنه يتوجّب عليها السعي الجاد لتحقق مطالبهم.
الحكومة السوريّة بوزاراتها ونقاباتها واتحاداتها، تدأب على اللعب برمي الجزرة أمام كلّ مطلب لشريحة مفصليّة من المواطنين، فبوصف أحد الناشطين: إنها أصدرت مؤخراً عبر المكتب التنفيذي لنقابة المعلمين قراراً برفع مكافأة نهاية الخدمة لنظام صندوق التكافل الاجتماعي.
القرار الذي لم يتعدّى راتب شهرين كمكافأة وبعد ما يزيد عن عشرين سنة خدمة للموظف المتقاعد، مهزلة، لمحاولة إرضاء الشريحة الأهم والأكثر حساسيّة في درئ البلاد من المستقبل، تلعب مع الحكومة لعبة الإرضاء بما ليس هو مرضي، كمن يرمي للجموع الجائعة جزرة!