شكّل ارتفاع أسعار المواد الأوليّة لمنتجات الأطعمة، وزيادة أجور الشحن وتكلفة الأيدي العاملة العالية، حالة من اتكال المُنتِج على البضائع منخفضة الجوظة، وخلفاً عنه المستهلك الذي يرغبها تماشياً مع وضعه الماديّ، رغم ما وصلت إليه تلك المنتجات من رداءة وسوء تصنيع، لكنها أصبحت مصدراً غذائيّاً رئيسيّاً للأهالي.
يقول تاجر جملة في مدينة السويداء لمراسلنا: إنّ المستهلك بات وبشكل دائم يسعى للحصول على المنتج الأرخص والأقلّ تكلفة، الذي يتناسب مع قدرته الشرائيّة، ودخله المحدود، بظلّ الظروف الراهنة، ويضطر دائماً أن يضع سلامته الصحيّة وسلامة عائلته قرباناً لذلك.
من جهته أفاد صاحب مشروع متناهي الصغر لإعداد الأغذية منزلياً للسويداء 24، أنّ القيود المفروضة لاستيراد الأولويات ذات القيمة والجودة من مواد داخلة في عمليّة تصنيع الأطعمة، تضيق على صنّاعها من حيث وفرة رأس المال وغلاء أسعارها عالميّاً، يضاف لها مجال بيعها وتداولها أمام دخل المواطن المعدوم، مع ذكر انقطاع الكهرباء الطويل الذي يزيد من تلفها إن كانت متطلبة للتخزين بواسطة التبريد، ومنه أصبحت البلاد بمجملها سوقاً يسري بعدم أهميّة المواد الغذائيّة صحيّاً والتي لم تعد أولويّة.
أين وصل مستوى صناعتنا الغذائيّة؟
مراقبون ونشطاء كانوا قد وثّقوا أصناف غذائيّة مصنّعة محليّاً كالزيوت والسمن والبن المطحون المعبأ وغيرها من حلويات السمسم وأغذية الأطفال كالبسكويت وشرائح البطاطا المحفوظة إضافة لأنواع من البوظة، جميعها انتشرت عنها حالات من الغشّ والتلاعب في مواد التحضير، ناهيك بمدى صلاحياتها.
ويقول خبراء تغذية دوليون، إنّ كتلة كبيرة من أصناف الصناعات الغذائيّة، وبتعدد أنواعها، باتت مرفوضة تماماً من الاستيراد لصالح دول كثيرة أغلبها في أوروبا، فيما حذّرت تقارير صحفيّة في بلدان مثل السويد والدنمارك، من انتشار تلك الأطعمة لما فيها من مواد مسرطنة وتلاعب في مكاييل وصلاحية المواد الحافظة فيها، كنوع من دخول الأسواق بأسعار منافسة وتحقيق أرباح.
أين رقابة الحكومة؟
أحد الحقوقيين أوضح للسويداء 24، أنّ سوريا متخمة بقوانين حماية المستهلك ومعايير الجودة، إلّا أنّ الفساد المستشري في دوائر التموين ووزارتها الخاصة بالتجارة الداخليّة، تبقيها حبراً على ورق، مضيفاً أنّ آلية تطبيق تلك القوانين، لا تنقصها تعاميم أو اجراءات تنفيذيّة ليتم تطبيقها.
وأكّد الحقوقي، أنّ الحدّ من صناعة الأغذية المضرّة، يعتمد على سحب العينات من الأسواق وقياس نسبة المواد الحافظة المضافة والمسموحة، واثبات آليّة نقلها وحفظها كاللحوم والمعجنات وسلامتها عبر المخابر المعتمدة، والتأكيد على شروط الصحّة للأمكنة والرقابة على المواد المستوردة ومواد المصدر، وليس فقط الاكتفاء بأوراق التراخيص الأوليّة وحكرها بمنتفذين محددين في دوائر الدولة فقط.
قوت النّاس اليومي في سوريا صار أشبه بالحلم لدى غالبيّة الأهالي، إذ لا يطمع ربّ أسرة صغيرة إلّا ليكفي يومه ويطعم أطفاله بكلّ السبل المتاحة، أمام انعدام لأيّ معايير بسيطة لحقّهم بالسلامة والصحّة الجيدة، هذه العمليّة اليوميّة التي أصبحت كعمليّة “فدائيّة” يقومون بها الأهالي يومياً، ولا تعبير أو التفاف لمعاناتهم من السلطات ومعني الحكومة بمجملهم، دفع الكثير من المواطنين، لاقتناء أيّ منتح غذائيّ، ينقذ أطفالهم إلى اليوم التالي!