لطالما طالب أهالي السويداء، بتفعيل الضابطة العدلية، وتطبيق القانون، على الكبير قبل الصغير، ولطالما خرقت السلطة الأمنية القانون، وتغوّلت على السلطة القضائية. وها هي اليوم، تدفع المجتمع بكل أدواتها، إلى عصر ما قبل الدولة، لتحوّله إلى شريعة الغاب، حيث يأكل القوي حق الضعيف.
مؤخراً، تصدّرت مجموعات مسلحة في السويداء المشهد، بملاحقة “المطلوبين” كبعض سارقي السيارات، ومروجي المخدرات الصغار. وأخذت تلك المجموعات دور القاضي والجلّاد، فيومياً تبث مقاطع فيديو لأشخاص مُنهكين من الضرب والتعذيب، يُدلون باعترافات عن سرقة سيارة، أو بيع المخدرات.
قسم من المحتجزين، تعلن المجموعة تسليمهم لفرع الأمن الجنائي، ما يشير إلى تنسيق عالي المستوى مع الأجهزة الأمنية، والقسم الأخر “يبوسون” التوبة، قائلين إن المجموعة أعفت عنهم، في مشهد يذكر بالبرنامج الشهير خلال العقد الماضي، الشرطة في خدمة الشعب، الذي كانت تبثه الفضائية السورية، وينتهي بقول المذيع: ندمان يا ابني، ليرد السجين: أي والله ندمان يا سيدي. ولكن هذه المرة باللهجة المحلية “ندمان ياخويي”.
المشاهد التي تبثها تلك المجموعات المدعومة من شعبة المخابرات العسكرية، ورغم كل ما تحمله من إمعان في الإذلال والتعذيب والإهانة، إلا أنها تلقى رواجاً وتفاعلاً وحتى تأييداً، من شريحة كبيرة من المعلقين، منهم من ضاق ذرعاً بحالة الانفلات الأمني، ويعتقد أنه من الضروري وضع حدٍ للخارجين عن القانون، بأي طريقة، وبعضهم ينساق وراء أي مجموعة مسلحة تبرز إلى الواجهة، على مبدأ: التصفيق للرايح والجاي، وهناك من يقول: اللهم اضرب الظالمين بالظالمين.
في حين تبدو الأصوات المناهضة لممارسات تلك المجموعات ضعيفة وخائفة، في ظل صمت وذهول من غالبية الزعامات الاجتماعية والجماعات الأهلية، حتى صفحات الإعلام المحلية، نادراً ما تسلط الضوء على انتهاكاتها، وتتحاشى ذكرها، فقد يتحول فعل الانتهاك على من يعترض ويندد، وربما يتم الانتقام منه بخطفه وتصويره مجبراً على إدلاء اعترافات، وعيناه مزرقتان من الضرب، فحتى قائد الشرطة ورئيس فرع الأمن الجنائي وهما أكبر ممثلين لوزارة الداخلية في السويداء، لم يسلما من الخطف والتركيع والتصوير.
ولا بدّ هنا من ضبط البوصلة، وعدم تضليل الرأي العام، من خلال توضيح المشهد: مجموعات أفرادها مطلوبين بعشرات الجرائم، من القتل والخطف والسلب، تلاحق من تقول إنهم “مطلوبين”، وربما بعض المتورطين، بجرائم مختلفة. وما يحصل بعيد كل البعد عن القانون، وعن مفهوم الدولة، ويصنف كجرائم خطف وتعذيب وتشهير، في القانون السوري، بل وترسيخ للعنف والبطش والانتهاكات والتحريض الطائفي.
وبات مفهوماً أن ما يحصل هو رسالة واضحة وصريحة من السلطة الأمنية، مفادها إعادة المجتمع إلى قفص الرعب الأمني، والتلذذ بالانتهاكات بطريقة غير مباشرة. وكل من يدّعي أن تلك السلطة عاجزة عن إيجاد حلول واهم، فبعض الأحداث الأخيرة أكبر دليل في قدرتها على معالجة الوضع الأمني إذا أرادت، ومنها: إرسال أكثر من الفي عنصر أمن إلى السويداء عندما خرجت مظاهرات تطالب بتحسين الأوضاع المعيشية في شباط الماضي، والعملية الأمنية التي نفذتها السلطة ضد إحدى المجموعات المسلحة في قرية خازمة، مطلع حزيران، وتمكنت من استئصالها والقضاء عليها.