بين القانون والمرسوم .. آثار سوريا في مهبّ الريح

أثار خبر هدم إحدى المضافات ذات طابع البناء القديم في الآونة الأخيرة بمحافظة السويداء، حفيظة الأهالي داخل المحافظة وخارجها، بين من اعتبره مساساً صارخاً بالقطع الأثريّة الحجريّة التي تحتويها، وبين من أدرجه بحريّة التصرّف الشخصيّ لأصحاب الملك من أفراد، يجب أن يتمتّعوا بحقوقهم الموجبة بالقانون، وييسّروا شؤونهم وفقها.

ومع كلّ الاختلافات بالآراء، كان قرار الهدم واشادة بناءٍ حديث بمحلّه، بموافقات حكوميّة، من المؤسّسات المعنيّة بالمحافظة، كما أوضح المكتب الاعلامي في مجلس المدينة للسويداء 24، الذي منح الموافقات اللازمة تحت أرقام العقارات 406/408/409/411/412/ س.ش 1/1، والعائدة ملكيتها لأبناء توفيق أبو الفضل وشركائهم، وهي مرخّصة أصولا تحت رقم 1/21 لعام /2021/ وذلك بعد أخذ الموافقات اللازمة من قبل مديرية آثار السويداء حسب الأصول.

القانون منح الموافقة.. فما وراء هذا القانون ؟

شكّل قانون الآثار في سوريا نقطة تحوّل للأيادي الراغبة بالتعامل معها، فمع تقلّب بنوده وقانون العقوبات الذي ضمّه في مواده، شهد مسارين محدديّن لا ثالث لهما، الأوّل يأنّ الدولة هي الوصيّة على كلّ الآثار الموجودة والمعروفة والتي لم تكتشف بعد، والثاني، بأنّها أيضاً المسؤولة عن تعويض المواطنين حين وضع يدها على مكوناتها الثابتة أو المنقولة عبر الزمن بفعل فاعل، وهو ما لم يتحقق لاحقاً!

وفي بحثٍ للسويداء 24، حول ما أدرجته سوريا من قوانين وتعديلات من حين تشكيل الدولة قبيل الإستقلال حتّى الآن، أشار القانون رقم 222 لعام 1963صراحة في المادة (6) منه على أن: ملكيّة الأرض لا تُكسب صاحبها حق التصرف بالآثار الثابتة أو المنقولة التي قد توجد على سطحها أو باطنها، كما لا تخوله حق التنقيب عن الآثار فيها.

ومن جهة أخرى فقد أعطى القانون للسلطات الأثرية، بموجب المادتين (4) و(5) منه، الحق بإجلاء الأفراد وإخلاء الهيئات التي تشغل أبنية تاريخية أو مناطق أثرية تملكها الدولة، ولها في حالات استثنائية يقدرها مجلس الآثار أن تمنح الذين شغلوا هذه الأماكن قبل صدور هذا القانون تعويضًا عن إجلائهم أو عن منشآتهم المستحدثة، وتُقدّر هذا التعويض لجنة خاصة تُؤلّف بمرسوم جمهوري.

نصوص التشريعات في القانون الغابر حينها، منعت البلديات من منح رخص البناء والترميم في الأماكن القريبة من المواقع الأثرية والأبنية التاريخية، إذ يهدف المشرّع أي “الدولة”، إلى حماية الآثار ماديًا ومعنويًا من خلال اشتراطه ترك مساحة خالية حول المناطق الأثرية، وتحديده نوعية الأبنية المقامة حول هذه المناطق الأثرية، وتدخله في أدق التفاصيل من حيث ارتفاعها ولونها، لتحافظ على طابعها الأثري.

كما حظر القانون على مالك أحد الآثار الثابتة المسجّلة أن يقوم بهدمه، أو نقله كلّه أو بعضه، أو ترميمه، أو تجديده، أو تغييره على أي وجه، وعند مخالفة ذلك تقوم السلطات الأثرية بإعادة البناء التاريخي إلى ما كان عليه، وتستوفى من المخالف نفقة ذلك، فضلًا عن العقوبة المنصوص عليها في هذا القانون.

حافظ الأسد .. و الفجوة بالمرسوم!!

في 28 شباط من عام 1999، عدّل الرئيس السابق لسوريا حافظ الأسد القانون رقم 222 لعام 1963، كثاني خطوة يتيمة اعتبرها مراقبون انتهاكاً صارخاً لقدسيّة المملوك الأثري في البلاد، ونصّ المرسوم في بدايته كأوّل بند فيه أنّه، “يجوز انتقال ملكية الآثار المنقولة المسجلة بناءً على موافقة مسبقة من السلطات الأثرية”.

مرسوم الأسد لم يكتفي بهذا الحدّ، فقد أطبق الخناق على الفقرتين، /4/ و /5/ من القانون القديم وأفضى فصولاً جديدة بالمرسوم، تتيح تصدير الآثار ونقلها وتغير أماكنها وحتّى هدمها، إذا ما أعطت موافقتها اللجان التابعة لمديريات الآثار في المحافظات السوريّة، بحيث تقوم هذه اللجان بإعطاء القرار الأخير ومنفرداً بكامل القيمة الأثريّة التي تحتويها البلاد، و دون حتّى الرجوع لمصلحة البلاد العليا التي من المفروض أن يقررها الشعب بكامله لهكذا قضايا، كما جرت العادة في عموم الدول.

وبين القانون الدستوري، والمرسوم الذي صوّت عليه فيما بعد “بالاجماع” كما هو متعارف عليه في سوريا، ما يسمّى مجلس الشعب، ضاعت الآراء حول أيّ قضية تتعلّق بتراثٍ ماديّ كالآثار، الآثار التي تتسابق حتّى عليها الدول لحفظها ونسبها إليها كرمزٍ لأصحاب الأرض ومفهوم للهويّة الجامعة بين أبناء البلد الواحد، وغيرها من إثبات التاريخ ومنع تزويره لأيّ طامعٍ أو متسوّلٍ بكيانه المستحدث، لبروزٍ فوق حضارات الأمم والشعوب!