السويداء: أين الدولة ؟

يتردد سؤال “وين الدولة”، بين عشرات المعلقين في السويداء، حول الأحداث الأخيرة التي تشهدها محافظة السويداء، من قطع للطرقات، شلّ حركة السير، وعمليات خطف تطال المدنيين على الهويّة.

وللإجابة على هذا السؤال، لا بدّ من إعادة توضيح المشهد في السويداء: جماعات محلية مسلحة، متورطة بالخطف والقتل والانتهاكات، برزت إلى الواجهة مؤخراً، كقوة أمر واقع، تنفذ عمليات خطف وقتل، بحجة ملاحقة “المطلوبين”، لتنصّب نفسها قاضياً وجلاداً. تلك المجموعات، أنشأت مقرات عسكرية، وجنّدت عدداً من المجرمين، مقابل رواتب شهرية، مصدرها مجهول، وسط اتهامات بإنشاءها معاملاً لتصنيع الكبتاغون، لتمويل نفسها.

ولا تتوقف المشكلة، عند التمويل اللا محدود الذي تحصل عليه تلك الجماعات، فالأمر الخطير، هو أنها تمارس عملياتها الإجرامية، بضوء أخضر من الأجهزة الأمنية، وتحديداً جهاز المخابرات العسكرية. فتبعية هذه الجماعات للمخابرات العسكرية، ليست مجرد اتهام، إنمّا حقائق دامغة فيها الكثير من الأدلة، كالبطاقات الأمنية التي يحملونها، والشارات التي يضعونها على ثيابهم، وتنقلهم بكل أريحية بين المحافظات.

إذاً، الجواب واضح: هذه هي الدولة، تتحكم بقرارتها أجهزة أمنية، تعمل على إدارة الفوضى، وتستقطب المجموعات المسلحة، لتجري لأفرادها تسويات، وتمنحهم سلطة على المجتمع. سياسة قذرة، تجعل تلك الأجهزة تبدو وكأنها خارج اللعبة، لكنها في الحقيقة، تدير الفوضى بشكل منظم، وتتحكم بكامل خيوط اللعبة.

هناك من يقول، إن “الدولة” تتجنب أي صدام في المحافظة، لكن الوقائع تشير إلى عكس ذلك، فقبل خمسة أشهر، خرجت مظاهرات احتجاجية في السويداء، ضد تردي الأوضاع المعيشية، فما كان من “الدولة”، إلّا أن أرسلت تعزيزات مؤلفة من مئات عناصر الأمن، ونشرتهم في الطرق والساحات الرئيسية، وعندما توقفت الاحتجاجات السلمية، اختفت تلك التعزيزات.

نعم، إن “الدولة” مخطوفة، من نفس الجهة التي ترعى العصابات. قبل شهر من اليوم، خطفت تلك العصابات، رئيس فرع الأمن الجنائي، وقائد الشرطة في السويداء، وأهانتهما، وصورتهما بشكل مُذل، وتمت لفلفة القضية لاحقاً. ولا مجال في مقال واحد، لتعديد انتهاكات تلك المجموعات، التي لطالما اشتكى المجتمع المحلي منها، ومن الجهات التي ترعاها، وليس بعيداً عن اليوم، البيان الذي رفعه أعالي عتيل، وطالبوا بوضع حد لأخطر العصابات، فكان الرد من السلطة، بتقويتها، وتسليطها على رقاب الناس.

وما يحدث اليوم في مدينة شهبا، التي انتفض ابناؤها قبل سنة على عصابات الخطف والإجرام، وطهروا المدينة منها، فيبدو أن تلك العصابات ومشغليها، يسعون للانتقام من رغبة المجتمع المحلي، في وقف الفلتان الأمني، وكبح جماح العصابات، فهل ينجح أهالي السويداء، في وضع حد لجماعات الإرهاب، وإعادى الأمور إلى نصابها، أم أن لأجهزة الدولة رأي أخر ؟