السويداء: من أمن العقاب أساء الأدب

لا يزال المجتمع المحلي حائراً في كيفية محاسبة المجرمين، الذين أوغلوا في البطش والانتهاكات، بعد التحوّل النوعي الذي شهدته محافظة السويداء، في اجتثاث وتفكيك العصابات الأمنية، التي كان ينتمي لها اولئك المجرمون، من خلال انتفاضة أهلية مسلحة.

ويبدو مفهوماً، غياب الثقة المجتمعية في دور “الدولة” ومؤسساتها، فالسلطة الأمنية، كانت طرفاً فاعلاً ومؤثراً في الأحداث الأخيرة. وتبين بالأدلة القطعية، دورها في رعاية تلك العصابات، وتحويلها إلى قوى أمر واقع، وإلى أدوات أدارت من خلالها الفوضى خلال السنوات الماضية. في وقت تبدو السلطة القضائية مهمشة ومغيبة، والواقع يقول إنها محكومة ومكبلة بالقيود الأمنية.

ربما يكون لدى المجتمع الآن بدائل مؤقتة، لردع المجرمين، الذين باتوا مفككين ومطاردين اليوم، بعد أن كانوا في الأمس القريب، متجبّرين ومتكبّرين، لا أحد يجرؤ على ردعهم. هناك من يقترح تسليمهم للقضاء، لوجود سجل حافل لهم بعشرات الجرائم، وأصوات أخرى تدعو لتفعيل أحكام النظام العشائري ضدهم، أو تشكيل هيئة من قانونيين ورجال دين، من أصحاب الثقة، لتولي مهمة تقرير مصير المجرمين، وطرق محاسبتهم.

وليس من المنطقي أن يترك القرار للأهواء الشخصية، أو لرغبات قادة الفصائل، وتحميلهم المسؤولية وحدهم، كي لا يتكرر المشهدين: عمليات تصفية وقتل ورمي جثث، أو إطلاق سراحهم دون أي محاسبة وإجراء”تسويات” كما حصل في صلخد. في وقت تتسرب أخبار، عن احتمال إطلاق سراح سليم حميد، على سبيل المثال، فمن يضمن أن لا يعود إلى ممارسة جرائم القتل والخطف ؟ بالطبع لا تكفي الضمانات الاجتماعية والعائلية، فلو كانت كافية، لردعته عن جرائمه سابقاً.

ومهما كانت له مواقف سابقة، يصفها البعض “بالبطولة أو الرجولة”، لا يمكن التعامي عن سجله الإجرامي الحافل، الذي تصل فيه عدد مذكرات البحث والنشرات الشرطية، إلى 34 مذكرة، بحسب مصدر خاص، بين جرائم قتل، وخطف، وسلب سيارات. لذا من المنطقي، البحث عن آلية لردعه، وردع غيره، عن السلوك الإجرامي، وإلّا فإن كل التضحيات التي بذلها المجتمع المحلي مؤخراَ، ستذهب في مهب الريح.

لحد الآن، تبذل بعض الفصائل المحلية جهوداً غير مسبوقة، في ملاحقة العصابات، في وقت تغيب فيه أصوات المرجعيات الدينية، والفعاليات المدنية والاجتماعية، باستثناء الرئيس الروحي للطائفة سماحة الشيخ حكمت الهجري، الذي اتخذ موقفاً حاسماً، شكّل ضربة موجعة للعصابات ومشغليها.

فأين دور بقية شرائح وفعاليات المجتمع ؟ هل يكفي التعليق والاستنكار على مواقع التواصل الاجتماعي ؟ اليس واجباً اليوم على كل فرد في المجتمع أن يقف عند مسؤولياته، حتى لا نصل إلى تسويات هشّة مع العصابات لا تختلف عن تسويات الأفرع الأمنية ؟ وحتى لا تفرخ تلك العصابات من جديد ؟ ألا يجب رفع الصوت عالياً في وجه السلطة الأمنية التي كانت مسؤولة عن كل ما حصل ؟