برميل المازوت بمليون ونصف.. “من وين رح ندفي ولادنا”؟

يتربّع رعب الشّتاء مع التحذيرات المتكررة لأخصائيي الأرصاد الجويّة، في وسط منازل الأهالي الحائرين بطريقة تأمين مازوت التدفئة المفقود من محافظتهم.

ولا تتوفر مادة المازوت إلّا في السوق السوداء، حيث سجّلت أسعارها ارتفاعاً قياسياً، بلغ 6000-6500 ليرة سورية، لليتر الواحد. وبهذه الحسبة، يتراوح سعر برميل المازوت، بين مليون ومائتي ألف، ومليون وثلاثمئة ألف، ما يزيد عن 250 $، وفق سعر الصرف بالسوق الموازية.

ولا يكفي برميل المازوت، أكثر من شهر واحد للتدفئة في الشتاء، إذ تحتاج العائلة، لثلاثة براميل، وسطياً، للخروج من الفصل البارد، وتصل تكلفتها إلى حدود ثلاثة ملايين ونصف المليون ليرة. هذا الارتفاع الجنوني لأسعار المازوت، يجعل التدفئة بوساطته، نوعاً من الرفاهية العالية لمن يستخدمها.

ولا داعي للحديث عن المخصصات المدعومة من الحكومة السورية، التي من المفترض أن توزع 200 ليتر لكل عائلة، وفق بياناتها، بالسعر المدعوم، ويبدو أنها في العام الحالي، لن توزع أكثر من 50 ليتر، على فعتين، بعد وزعت في العام الماضي، بين 50 ليتر و100 ليتر كحد أعلى، لكل عائلة. وهذه الكميات، قد تستغرقها العائلة خلال اسبوع ولحد، في أيام البرد القارس.

كيف يؤمن الأهالي التدفئة

ظلّ أبو سامر طوال ثلاثة أعوام يتكئ على ما يجمعه من حطب في تقليم أشجار أرضه وما يحصّله من 50 ليتر موزّعين على بطاقة الحكومة الذكيّة للعائلات، و دائماً  كانت البطّانيات الاسعاف الوحيد لأطفاله من تحتها.

يقول بحديثه مع السويداء 24: لا تكفينا حصّة المازوت إلّا قرابة العشرة أيام أو يزيد ببضعها في فترات السقيع، وتستمرّ الانخفاضات الجويّة حدّ الثلاثة أشهر كلّ عام، لتنتهي مؤونة الحطب والأعواد التي جمعناها. ولا نقوى على شراء المازوت الحرّ بعد أن حقّق الليتر منه بالسوق السوداء على الأرصفة والطُرقات، مبالغاً وصلت إلى قرابة 6000 وما فوق.

“من وين بدفّي ولادي يا بشّار الأسد”، أيضاً أمّ محمد القاطنة في بيتٍ بالايجار، تفوض بدموعها وتصرّح: لا تكترثوا لعدم الشكوى من البلاء، جمّعت كلّ بلاستيكيات القمامة والأقمشة التالفة وأكياس النايلون، كي أبقي أطفالي الثلاثة على قيد الحياة، أيام الصقيع والدرجات الدانية لما تحت الصفر.

وتضيف: ولدي الأوسط ذو العشر أعوام، أجرى عمليّة جراحيّة للجيوب الأنفيّة، ولا تفيدُ أدوية الحساسيّة معه أمام الروائح والاحتقان الأنفي خاصةً في فصل الشتاء، العام الماضي وثّق له سجلّ الاسعاف في المشفى الوطني أكثر من 13 حالة دخول، ولا أستطيع أن أقول أمام الأطبّاء بأنّ عذاب ولدي صحيّاً نتيجة الدخّان السيء.

أمّ محمد ليست الوحيدة بعوزها أو بنطقها، حين توجّهت لرأس السلطة في مناشدتها، فبعد التقارير الكافيه لعمليات الاختلاس والتهريب للمشتقّات النفطيّة من المحافظة، والتي طالت مسؤولين معنيين وقيادات في الحزب الحاكم، مرّ الكلام على ما يسمون أنفسهم بمؤتمنين الشعب، مرور الكرام دون أي اكتراث. والمعاناة على هوادة صبر أصحابها.

محافظة السويداء المفقودة أو المخطوفة من رعاية دولتها، وثّقت تجاوزات عدّة في القضايا الاجتماعيّة جلّها تحت قيود الجنح الجرميّة، فيما تقسّمت الجهات المسؤولة بين عصابات مدعومة أمنيّاً، وأناس أغلبهم من الشبّان والفتية، جرّوا بعضهم للتحطيب الجائر بغية الحصول على الدفئ في الأيام القادمة.

الأمر الذي خلّف أيضاً عنه نزاعات وصلت لاستخدام النّار الحربي كان أخرها في اللجاة، وخسر على اثرها شابيّن حياتهما، وصعدت أخبار لأجندات أخرى تحاول الامساك بالشرارة الأولى للفنتة على معطيات الحادثة، فبقي السؤال، من أيّن تُدفئ النّاس أولادها؟، و تفي شرّ الفتنة والموت المجّاني عنهم، يا أصحاب السيادة؟!