يوميات أبو سليم: رأس السنة

إنّها ليلة وداع لسنةٍ مرّت عجفاء قاحلة الأيام، وهي ليلة استقبال لعام قادم، يطرق باب الآمال المزهرة في أحلام كلّ البشر، لعلّ القادم أحلى !
اعتادت أسرة ابو سليم -كباقي أسر القرية- أن يحضّروا للسهرة من لحم وخضروات التبولة والبزورات والمقرمشات لزوم المشروبات الروحية التي أصبحت معتادة هذه الليلة، ولكن المعجّز حاضر، فغلاء الأسعار الفاحش وقف حاجزاً منيعاً لنيل الفرح ونسيان ضنك الحياة البائسة ولو لساعات قليلة، وأصبحت سهرة عيد رأس السنة وقفاً على الميسورين ومن استطاع اليها سبيلا.

صحا أبو سليم باكراً.. مهموماً.. منكسراً.. وعاجزاً عن تأمين ما يلزم من مطالب أفراد الأسرة، فكم هو صعب هذا العجز.. جلس على المصطبة كارهاً العمر المذلّ مطلقاً آهات خرجت من صدره موالاً حزيناً: آآآه.. يا فرحة عمر طوّلتِ غيابك.. لو يوم تجينا بالسنة وتفتح بوابك”.. “آآه يا بلد..من كثر الشقا شابو شبابك.. وما بقي لنا عندك.. غير اللحد مع كمشة تراب..”. أجابه أبو خليل جاره القريب والذي سمع مواله وكان يعيش نفس حالته: يا بوسليم..! اليوم الفرح سكّر علينا بوابو.. أيام لو عاشها أيوب يفقد صوابو.. يابو سليم..! ما دام هذا البلد عبيحكموا كلابو.. ما ظن يجي يوم ينزاح عنا العذاب..”.

صاحت أم سليم: ولو.! شو بكن ياخي ؟! غيمي وبتزول.. أول الدنيا بكرا.. ليلي وبتمضي خلص متجيبوش شي بعمل بالسهرة كبة “حيلي” (برغل من دون لحم).. وشوية زبيب وقضامي وخلص.. انشاله هالسنة الجايي تكون أخير من الي سبقوها.. اتكلو عَ الله.. قال أبو خليل: “والنعم بالله بس شايفلك يختي ام سليم هالسني مثل خواتها.. يعني مثل الغناي تبع  ميل يا غزيل.. و يا غزيل ميل.. واللألعن إذا طلعت مثل.. ميلك ميولي وقيلك قيولي.. وتقيل علينا وتطوّل مثل قيولة ابن هالحرام القاعد علينا ومش متزحزح.. أجاب أبو سليم: ما إلنا غير الله.. بتهوووون.