“سوق سوداء” حتى لحليب الأطفال

تتصدر مشكلة انقطاع مادة حليب الأطفال عناوين وسائل الإعلام، في ظل ارتفاع كبير في سعرها، إن وجدت، مع تزايد حالات سوء التغذية بين الأطفال، في مشفى السويداء الوطني، نتيجة الاعتماد على بدائل غير مناسبة، ودون استشارة طبية.

الملفت، أن حليب الأطفال ليس مقطوعاً كما يبدو، فهو متوفر في سوق سوداء خاصة بالأدوية، وبأسعار مضاعفة، وهذا يفتح الكثير من التساؤلات. وللوقوف على الأسباب تحدثت السويداء 24 مع عدد من الصيادلة في المحافظة، ليتبيّن أن الشركات المصنعة تتجنب استيراد المواد الأولية، جرّاء خلافها مع وزارة الصحة السورية بسبب الإختلاف على تسعيرة تحددها الأخيرة.

وزارة الصحة الدولار تصدر نشرات الأسعار، بناءاً على نشرة المركزي، بينما تشتري الشركات موادها وفق صرف السوق الموازية، إذ يبلغ دولار الموازية قرابة ضعف قرينه في المركزي. فبينما سعّرت وزارة الصحة الحليب ب15 ألف ليرة، كان سعر العبوة بالسوق السوداء، يصل إلى 30 ألف ليرة.

لذا يتمثّل السبب الرئيسي للمشكلة، في الفجوة الكبيرة بين سعر الصرف الذي تحدده الدولة، وبين سعر الصرف في السوق الموازية، فشركات الأدوية تستورد المواد بالسعر الأخير، وإلزامها من وزارة الصحة بالبيع وفق سعر المركزي، يعرضها لخسائر فادحة. وهذا ما ينسف ادعاءات مصادر حكومية أن فقدان حليب الأطفال سببه العقوبات الغربية، التي استُثني منها استيراد المواد الغذائية و الأدوية والحليب. 

وتسبب الخلاف بين شركات الأدوية ووزارة الصحة على أسعار الادوية، باختفاء كثير من أصناف الحليب والأدوية من الصيدليات. إذ يلقي أصحاب شركات الأدوية باللوم على وزارة الصحة، فالأخيرة تضع أسعار المبيع بقيمة أقل بكثير من سعر تكلفتها، الأمر الذي أدى إلى ايقاف تصنيع العديد منها وتفضيل تصديرها عوضاً عن طرحها للبيع في السوق المحلية.

مستودعات الأدوية باتت تتوقف عن بيع الصنف الى أن يرتفع سعره، أو تعود الشركات ببيع الصنف، وبهذا يختفي الصنف تدريجياً من الصيدليات، أو يتواجد بسعر مضاعف. وأكد أحد الصيادلة أنّه رغم تواجد حليب الأطفال المصنع من عدة شركات إلا أنه غير مطروح للبيع في الأسواق ومحتكر في مستودعات الأدوية، بينما انقطعت أصناف الحليب “نان و بيبي ليه و S-26 و كيكوز” كما فقدت أصناف المكملات الغذائية مثل “سامي”.

وينقسم الصيادلة بين من يقوم بشراء الأصناف جميعها ومن ضمنها الأصناف التي تباع بالسعر الحر، وبين آخرون يرفضون شرائها إلا عن طريق التوصية، حيث يخيّرون المشتري بأنهم يستطيعون تأمين الأصناف المقطوعة ولكن بسعر مضاعف، وإذا قبل الزبون يدفع سلفة من ثمنها ويؤمنها له الصيدلاني بعد أيام.

وعلى الرغم من تحمل أصحاب شركات الأدوية والمستودعات لبعض المسؤلية في انقطاع العديد من أصناف الادوية وحليب الأطفال، إلا أن المسؤولية الكبرى تقع على كاهل وزارة  الصحة. فلو التزمت شركات الادوية والمستودعات ببيع الأصناف بتسعيرة وزارة الصحة لمدة زمنية لاتتجاوز السنة فإنها ستفلس لامحالة.