رأي: لقاء دار عرى بين متطلبات التاريخ وعين الشك


حضي لقاء دار عرى الذي أتى إستجابة لبيان أطلقه لؤي الأطرش، باهتمام محلي وإعلامي، بسبب توقيته، حيث تشهد المحافظة عدة أحداث متشابكة. فعلى الصعيد السياسي مازالت الاحتجاجات والاحتجاجات المناوئة مستمرة لاسبوعها الثامن على التوالي، وعلى الصعيدين الاقتصادي والخدمي تزداد الأزمات حدّةً وعنفاً، فبعد انتقال الأهالي من القلّة إلى العَوز، تتبدل أحوالهم من العوز إلى الجوع.


وعلى الصعيد الأمني، لازالت حالة الفراغ التي خلفتها المجموعات المدعومة أمنياً بعد الانتفاضة الشعبية في تموز الماضي، هي المحدد الأساسي من قبل دمشق بتعاطيها مع السويداء، والتي سعت من اللحظات الأولى عبر ادواتها الإعلامية والاجتماعية، إلى احتواء الانتفاضة، للحول دون توسعها. وبالرغم من ذلك فقد حققت الانتفاضة جزءًا كبيرًا من أهدافها بحيث تقلصت معدلات السرقات والخطف إلى مستويات قياسية خلال الأشهر القليلة الماضية.

وفي وقت يكثر الحديث عن تحركات ومساعي دولية وإقليمية فيما يخص الجنوب السوري، يمكن بالحدّ الأدنى من معرفة النسيج الإجتماعي للمحافظة الاستنتاج بأن لا مكان لتنفيذ الكثير من المشاريع المروّج لها، بسبب غياب الحوامل السياسية بالدرجة الأولى، وخير دليل ما حدث بمشروع حزب اللواء الذي حضي بتمويل ودعم. ولا تتعدى الكثير من المشاريع المروج لها، “الفقاعات الإعلامية”، والتي عاد الحديث عنها بعد اجتماع دار عرى، كالإقليم الإداري مثلاً، وغالباً ما تصدّرها وسائل إعلام مُعارضة، دون أي فهم للتركيبة الاجتماعية في السويداء، ودون أن يكون لها أي وقائع على الأرض، وربما يكون مصدرها مخيّلات كاتبيها، أو رغباتهم.


بالعودة إلى اجتماع دار عرى، التي لعبت دوراً بارزاً في تاريخ المنطقة، بحيث كانت “بيضة القبان” بين مختلف القوى والتوازنات في بعض المراحل. يُنظر لاجتماعها اليوم، من زاوية أكثر موضوعية، بعين الشك، نظراً لخلفيات بعض الأشخاص الذين شاركوا فيه، خصوصاً إذا ربطنا الأحداث الأمنية التي سبقت هذا الإجتماع من عودة الخطف والسرقات، مع الأشخاص الذين حضروا الاجتماع، ما قد يمكن اعتبارها تمهيداً لإعادة هيكلة المجموعات التابعة للأجهزة الأمنية، التي تلاشى نفوذها، بعد القضاء على قوات الفجر. ومن هنا فإذا كان لدار عرى دور تاريخي يتحتم عليها لعبه، فمن الضروري الحذر أن لا تكون بوابة لإعادة هيكلة تلك المجموعات، ويخشى أن تكون كلفة إحداث “تجمع جبل العرب” أكبر بكثير من كلفة الواقع الحالي بكل مساوئه، وأن تعيد العصابات التي امتهنت السرقة والخطف والقتل -من خلال التجمع- حضورها في المحافظة، على غرار ما قبل الانتفاضة إن لم يكن أشد عنفاً، ولا أدل على ذلك إلا مصير “الشريان الواحد” الذي تشكل عام 2018، بشعارات رنانة، ثم انفرط عقده سريعاً، ومازالت المحافظة تعاني من آثاره وتبعيّاته إلى يومنا هذا.

المقالة لا تعكس بالضرورة رأي الموقع، إنما رأي كاتبها الذي فضل عدم ذكر اسمه.