حراج مياماس.. آخر غابات السويداء

“حمينا هذا الحرش بحد السيف”.. يبدأ محدثنا بهذه العبارة، بينما يلقي نظرة على قرية مياماس، التي تحيطها تلال مكسوة بأشجار السنديان والبلوط، وتنتشر بين بيوتها وعلى جانبيها كروم العنب والتفاح، وتخترق أراضيها أودية بعضها دائم الجريان، في مشهد قلّ نظيره في السويداء، بعد عمليات الحطيب الجائر التي قضت على جزء كبير من حراج المحافظة.

على بعد حوالي 20 كم، جنوب شرق مدينة السويداء، لا تستغرق رحلة السيارة أكثر من نصف ساعة، للوصول إلى مياماس التي يبلغ ارتفاعها عن سطح البحر، حوالي 1450 م. استقبلنا أحد رجالها بقامته الفارعة، يلبس الزي الأسود، متوّجاً بالعمامة البيضاء، ويشير بيده إلى مياماس، التي أخذت اسمها من الميس، وهو نوع من العنب المجفف “الزبيب” تشتهر به القرية.

يصل عمر بعض الأشجار الحراجية في مياماس إلى مئات السنين، وقد استطاع أهالي القرية بتكاتفهم، حماية هذه الأشجار من مناشير الحطّابين، “فكما حافظ عليها أجدادنا، من واجبنا عدم السماح لأي شخص المساس بها، فهي بمثابة إرث بالنسبة لنا، من يعتدي عليه كأنه اعتدى على بيوتنا”.

تبلغ مساحة الأراضي المزروعة بالتفاح في مياماس، حوالي 9 آلاف دونم، إضافة إلى 4 آلاف دونم مزروعة بالكرمة، ويعمل غالبية سكّانها بالزراعة. كما تمتاز بالصناعات الزراعية المحلية، كالزبيب، ودبس العنب. ومن يبحث عن أجود أنواع الدبس، ما عليه إلّا التوجه إلى قرية مياماس.

نسمات الهواء العليل في هذه القرية الجبلية، ومياهها العذبة، تُشعرك فعلاً بقيمة الأشجار التي يحرسها الأهالي. وليست الطبيعة ما يميزها فحسب، إذ تزخر القرية بآثار تاريخها يعود لمختلف العصور، النبطية والرومانية والبيزنطية والعربية الإسلامية، وتختلط فيها البيوت الحديثة، مع القديمة المبنية من الحجارة البازلتية. تلك الحجارة السوداء الصمّاء، الشاهدة على الحضارات المتعاقبة.

تتوفر في قرية مياماس، كل مقومات الاستثمار السياحي، ولو حظيت ببعض الاهتمام من الدولة، لربما أصبحت من أروع مناطق التنزه والاستجمام في الجنوب السوري. وأي اهتمام اليوم، والأهالي يسعون وحدهم للحفاظ على حراجها وأشجارها، في وقت ترزخ فيه البلاد تحت وطأة ظروف معيشية قاسية.

يذكر أن محافظة السويداء، فقدت جزءاً كبيراً من حراجها وغاباتها الخضراء، بسبب عمليات التحطيب الجائر خلال السنوات الماضية، من سد العين في صلخد، إلى مطار الكفر الزراعي، وصولاً إلى حراج بلدة سليم، فهل يصمد أهالي مياماس، في ظل تخلي الدولة عن دورها الرعائي ؟