تسوية السويداء.. والضحك على اللحى: هذه قصتي

تعرض مجند في الجيش السوري، من أبناء محافظة السويداء، لخديعة في عملية التسوية الأخيرة التي بدأت العام الماضي في المحافظة، حاله حال العشرات الذين انضموا لتلك التسوية، ولم تلتزم السلطات معهم بوعودها، ليتركوا الخدمة مرة أخرى.

نترككم مع قصة المجند، التي أرفقها بوثائق للتسوية، تم تمويه اسمه وبياناته فيها حفاظاً على سلامته:
أنا شاب ابن مدينة السويداء، كنت قد تركت الخدمة في الجيش (فرار) بعد حوالي 3 سنوات من التحاقي، لمجموعة من الظروف وعلى رأسها الظروف الماديّة.

كانت خدمتي على الحدود السورية التركية، على جبال التركمان الخط الموازي لكسب، مناطق جبلية وعرة، وديان وغابات وبرد سيبيري، عداك عن الألغام وعمليات القنص شبه اليومية وقذائف الهاون والصواريخ والألغام حولك، بحيث إذا أردت أن تتحرك مضطراً لقضاء حاجتك فإنها مغامرة قد تقضي على حياتك برصاصة قنص لعدوٍ أنت نفسك لاتعرف لماذا تعاديه ولا هو يعرف لماذا يقتلك، فكل حياتك هناك بتفصيلاتها على كف عفريت، حتى ضوء القداحة أو شعلة السيجارة تشكّل خطراً على حياتك البائسة.

أعداد الفارين بازدياد، وهي أعداد كبيرة نسبياً، وقد قامت الجهات الأمنية ولعدة مرّات بالتحقيق عن سبب كل تلك الأعداد من الشبان الذين يذهبون لقضاء إجازتهم ولا يعودون لخدمتهم، ولكن لا أحد يعرف لماذا لا نتيجة في كل مرة، حتى إن ضابطاً عاملاً برتبة ملازم أول ابن اللاذقية قد ذهب بإجازته ولم يعد. (فرار).

كل هذا يمكن لعقل مختل أو نفسية موهومة احتماله لسبب أو لآخر مع كل الذل والإهانات.

أما ما لايمكن حتى لأشد المعاتيه احتماله هو التكلفة المادية العالية جداً كأجور طرقات (بولمان+ سرفيس+ ميتور) وهي الوسائل الثلاث الإجبارية التي ستستخدمها ثلاثتها على التوالي عند كل إجازة في ذهابك وإيابك، ولك أن تتخيل كمية الانتظار والشنططة والتكلفة لكل ذلك. أنت بحاجة لراتبك العسكري بكامله، وطبعاً أقصد كامل راتب الاحتياط وليس الالزامي الذي هو وعدمه واحد.

أضف تكاليف المأكل والمشرب على حسابك مضطراً مُكرهاً (علبة لبن واحدة لكل ١٦ شخص- حبة بطاطا صغيرة لكل شخص… إلخ).

ألف سبب وسبب يجعلك لاتجد هدفاً في مناطحة طواحين الهواء والبقاء تحت رحمة الأشغال الشاقة وسوء المعاملة والعيش في أوهامٍ وانتظارٍ عبثي.

بعد فراري من الخدمة بسنة كاملة، سمعت عن التسوية في السويداء، وبعد تردد شديد رميت النرد ووضعت رأسي بين الرؤوس وذهبت إلى قطاعي الرؤوس، وكلي أمل بشرط التسوية الذي وجدته أفضل الموجود ، وهو أن خدمتي ستكون في الفيلق الأول (السويداء- درعا- القنيطرة)، وهذا هو شرط التسوية.

انتهيت من تقديم أوراقي، وقالو لي في مركز التسوية: “إذهب إلى قطعتك العسكرية السابقة التي فررت منها وستجد اسمك هناك بعد التسوية ، وباشر بإجراء براءة الذمة لتلتحق مباشرة بالفيلق الأول في السويداء”.

بالفعل لملمت أغراضي وسافرت الى الحدود السورية التركية البشعة، وعندما دخلت إلى القطعة العسكرية، إلى قسم الذاتية تحديداً، يخبرني المساعد المسؤول أن اسمي قد وصل إليهم وعلي أن أذهب مباشرة لأباشر دوامي في خط الجبهة بين تركيا وادلب، وعند ابرازي الأوراق التي تثبت أنني اتبع لتسوية ويجب إجراء فقط براءة ذمة لكي أعود وألتحق بالفيلق الأول، استهجن المساعد المسؤول في الذاتية الأمرَ واستغرب، قال لي بأنه لايوجد أي شيئ مكتوب بالأوراق يتعلق بالفيلق الأول، ولا يوجد أي أوامر تتعلق بالنقل الموعود، وبالفعل كلامه صحيح، فكل الأوراق لايوجد فيها أي ذكر للفيلق الأول الذي وعدونا به، فقلت له طالما الموضوع مجرد كذبة فاعتبر نفسك لم ترني وأنا عائد أدراجي.

وبالفعل رجعت من أقصى شمال البلاد إلى أقصى جنوبها، وفي اليوم التالي عدت إلى مركز التسوية، وقابلت الضباط هناك وقاضي الفرد العسكري، وشرحت لهم ما جرى، فأخبروني أن المساعد هذا غبي ولا يعرف، والنقل من هناك إلى الفيلق الاول سيأتي تلقائيا بعد شهر من تسليم نفسي، سيأتي من إدارة القوى البشرية. – ( لم يقولو هذا الكلام قبل إجراء التسوية)- وبالفعل أنا ابتلعت الطعم مجدداً وصدقتهم، فهؤلاء برتبهم يمثلون الدولة، وهل الدولة تكذب على مواطنيها وتخدعهم؟!!

عدت مجدداً إلى شمالي البلاد على الحدود عاقداً العزم منتظراً الفرج، مرّت الأيام، مر الأسبوع الأول والثاني، مر الشهر الأول، ومر الشهر الثاني وأنا أخادع نفسي وأستبشر خيراً لعل الله يأتي فرجه!

بعد شهرين، نزلت إجازتي، فوراً توجهت إلى مركز ٧ نيسان حيث التسوية، قابلت المسؤولين فيه وقابلت القاضي العسكري، لأكتشف أنني لست الوحيد الذي تمت خديعته، فقالو لي بأن الكثيرين قبلي قد اشتكو من هذا الأمر، ولم يتم نقلهم كما تم وعدهم عند اجراء التسوية، ولا يوجد باليد حيلة ، فهم رفعو الاسماء وهنا تنتهي مهمتهم، وليس بالإمكان أكثر مما كان!!!!!

أيقنت عندها حقاً أن عقلي مخرّب فأنا قد جربت المجرب، وصدقت هذه الدولة الماكرة بأجهزتها، وانطلت عليّ الخديعة كما غيري الكثير.

أنا الآن “فرار” من الجيش مجدداً، ولا ألوم نفسي على شيئ مطلقاً سوى أنني صدقت وعد دولةٍ لا تصدق حتى بنشرة الطقس، ولتذهب هي وخدمة الذل إلى الجحيم.

باسمي الشخصي ولا أمثل أي أحد، لا أنصح أي صديق أن تنطلي عليه الحكاية، فالتسوية هي خديعة وطعم لاستقطاب أكبر قدر ممكن من الشباب.

الصور المرافقة هي من أوراق إجراءات التسوية، قرار “ترك” موقّع من القاضي العسكري عند إجرائي للتسوية، وورقة “مهمّة” عند التحاقي وتسليم نفسي.

وبانتظار تسويات جديدة لعلها تكون “صادقة”.