تكثر شركات النصب والإحتيال في الدول التي يعمّ فيها الفساد السياسي والإقتصادي والقانوني، وهي تعبّر عن استغلال الإنسان للوضع البائس الذي تعيشه طبقات وشرائح مجتمعية حين تعجز وتتخلّى الحكومات والمؤسسات المدنية عن دورها الحمائي لمواطنيها، وخصوصاً أثناء الأزمات والتحوّلات التاريخية التي تمرّ بها بلد ما.
في كلّ فترة، تظهر شركات أو أفراد، تعتمد النصب والإحتيال على عملائها من خلال الترويج لاستثمارات وهمية مقابل أرباح خيالية -سهلة ومريحة- مستغلة حاجة المتعاملين”الضحايا” الماسة ووضعهم البائس كي يقعوا فريسة سهلة لكمائنها، عن طريق الإغراءات والتطمينات الشفوية وصناعة الوهم والحلم بالثراء السريع، كي يركض المتعامل نحو خيار “الإيداع المالي” لتحسين الوضع المعاشي والمغامرة بدفع تحويشة عمره و كلّ ما يملك لهذه الشركة الشيطانية، تحت تأثير مسكّنات الحلم بأنّ طاقة الفرج والرزق قد فتحت له أبوابها عبر عوائد وجوائز أولية ولفترة تجعله يطمئن ويثق بالشركة فتغفل عينه عن المخاطر المحتملة، حتى تقع الواقعة، ليبدأ الندم حين لا ينفع، وفعلاً كما يقال: القانون لا يحمي المغفّلين.
شركات الإحتيال هذه “وهمية” غير مرخّصة، وتعمل خارج القانون، وهي تستغلّ ظروف الناس وتعتمد جمع الأموال على أنّها شركات تجارية إستثمارية، ولكنها في الحقيقة مافيات لتداول العملات وتدويرها، وتنتهي دائماً بالإفلاس وضياع أموال المودعين لديها، ولهذا لا تقوم بالتراخيص اللازمة أصولاً لنشوئها وإشهارها كي تبقى خارج المحاسبة والقانون ومتهرّبة من الضريبة، فهي خارج دورة الإقتصاد جلّ همّها جمع ما يمكن من أموال ومن ثم الهرب خارج البلاد، أو الإحتماء بمافيات وميليشيات مرتبطة بالسلطة وأفرعها الأمنية.
تعتمد شركات التداول هذه في بنيتها وتخطيطها وطريقة عملها على منهجية “المخطط البونزي” وهو نظام هرمي وتسويقي وشبكي -وخيطي في حالات خاصة- يعتمد فكرة تخليص المودعين “الضحايا” المستثمرين من أموالهم وودائعهم، بإغوائهم بالربح السريع السهل بفترة زمنية محددة دون التعرّض للمخاطر.
إنّها شركات “وهمية” برأسمال “وهمي” بدون أساس مادي أي أنّه يبقى قيمة بشكل إئتمان -أسهم ديون بورصة مضاربة- ويمكن أن يتحقق على شكل سلع إستهلاكية، وهو مناقض ومخرّب للرأسمال”الحقيقي” الداخل في عملية الإنتاج ودورة الإقتصاد.
وبعد تفاقم الأزمة الإقتصادية في سوريا، وتنامي عجز الدولة عن انتهاج سياسات حمائية قادرة على التعافي، لأسباب داخلية وخارجية، ذاتية وموضوعية، لا مجال لذكرها الآن، استمر تجميد الأجور رغم تنامي التضخم بشكلٍ مضطرد، وتخفيض الدعم لدرجة رفعه عن المواد الأساسية ورفع أسعار المحروقات، وانخفاض عائدات القطع الأجنبي وعدم القدرة على التحكّم به، وتكسير وإفقار الطبقة الوسطى وازدياد حالة الفقر المدقع.
وفي ظلّ تراخي القانون وتغوّل سلطة الإستبداد والميليشيات على السلطة القضائية واتساع رقعة الفساد والإفساد الممنهج، وعجز الدولة وفشلها في تقديم الضمانات الإجتماعية للمواطنين، يجعل المواطن السوري يتعلّق بحبال الهواء ويكون ضحية وفريسة سهلة لكلّ أشكال الإحتيال والنصب.
لا بدّ من الإشارة للحالة القانونية لهذه الشركات في القانون السوري، حيث أنّ الوصف القانوني لجريمة النصب والإحتيال يعتبر “جريمة جنحية” يعاقب مرتكبها بعقوبة الحبس، والغرامة المالية، ويصار إلى حجز أمواله -أو أموال الشركة- المنقولة والثابتة، ويعيّن حارس قضائي عليها وتقسّم أموالها -بعد التصفية- على المودعين، قسمة “غرماء” أي لكلٍّ بنسبة ما أودع.
صدر قانون جمع الأموال رقم\8\لعام 1994 الذي يمنع جمع الأموال من الغير -عدا الزوجين والأقارب حتى الدرجة الرابعة- وحدّد العقوبات والغرامات بحق المخالفين. كما صدر القانون رقم\243\لعام 2022 الذي يمنع الشركات كافة وعلى اختلاف أنواعها ومسمياتها القانونية من إيداع أموال المساهمين والأشخاص الطبيعيين والإعتباريين دون الحصول على التراخيص اللازمة من وزارة الإقتصاد.