تحقيق: عصابات منظمة تعاود نشاطها في السويداء

تتصاعد وتيرة عمليات الخطف من جديد في محافظة السويداء، رغم تحسن نسبي طرأ على الأوضاع الأمنية منذ الصيف الماضي. تحسنٌ لم يدم طويلاً، بفعل عوامل مختلفة، كضعف وسائل الردع الأهلية، والسياسات الأمنية المتبعة.


منذ مطلع العام الحالي، وحتى شهر آذار، وثقت السويداء 24 خمس عمليات خطف داخل السويداء -بهدف الحصول على الفدية المالية- كان منها اختطاف أخوين من ريف حمص بعد استدراجهما إلى السويداء، واحتجازهما أكثر من اسبوعين، ثم إطلاق سراحهما بفدية مالية، استلمها وسيط من آل أبو سرحان، في قرية لبين، غربي السويداء.


ضحية جديدة


يوم السبت الماضي، استدرجت عصابة مسلحة الشاب هاني خالد العلي، من أهالي محافظة حلب، عبر حساب فيس بوك مزور على ما يبدو، انتحل شخصية فتاة. وعند وصول العلي إلى مفرق قرية صلاخد على طريق دمسق السويداء، اختفى، أو اختُطف بالأحرى، ليبدأ مسلسل ابتزاز ذويه ومطالبتهم بدفع فدية مالية.

الضحية هاني العلي.


مصدر مقرب من العلي، قال في اتصال مع السويداء 24، إن الضحية مجند يؤدي الخدمة الإلزامية في الجيش السوري، متزوج وله أطفال، ووضعه المادي سيء للغاية. وأضاف أن الخاطفين يرسلون صوراً ومشاهد فيديو لتعذيبه، ويهددون عائلته بقتله في حال لم يدفعوا الفدية المطلوبة.

من محادثات استدراج المخطوف.

اختفاء شاب في مدينة السويداء

يبدو أن نشاط العصابات يعود تدريجياً إلى مدينة السويداء، فيوم الاثنين الماضي، اختفى الشاب محمد جمال جمعة، في ظروف غامضة، قرب الإطفائية، ولا تزال عائلته تجهل مصيره حتى الساعة، مع تخوفها من تعرضه لعملية خطف.

محمد، يبلغ من العمر 25 عاماً، ينحدر من ريف دمشق ويعيش مع عائلته في السويداء منذ نشأته، وقد عاد مؤخراً من الاغتراب ليزور عائلته، فبات مصيره غامضاً، وسط مناشدات من عائلته للجهات الفاعلة والمعنية، بالبحث عنه وإعادته سالماً.

الشاب محمد جمعة.


اسم وأماكن مشبوهة


الملفت في روايات المفرج عنهم مؤخراً، أن أماكن احتجازهم كانت في منطقة اللجاة، حيث تنتشر قرى متجاورة في ريفي درعا والسويداء، مثل عريقة، ولبين، ومسيكة. في حين كان هناك منطقتين محددتين يتم الاستدراج والخطف عندهما: دوار الباسل في مدخل مدينة السويداء، ومفرق صلاخد شمال المحافظة.


من الواضح بحسب الشهادات، وجود عصابة مشتركة في المحافظتين، تتقاسم مهام الخطف، والاحتجاز، وحراسة المخطوفين، والتفاوض. يتم استدراج الضحايا عبر الفيس بوك، من خلال عروض سفر، أو علاقات غرامية. تنفذ مجموعة مسلحة مهمة الخطف، ونقل المخطوف، ثم تسلّمه إلى مجموعة أخرى تتولى حراسته والتفاوض عليه، وهناك مجموعة ثالثة تتولى عملية الوساطة، وغالباً ما يكون لها نسبة من الفدية.


وورد اسم رياض أبو سرحان، في أكثر من حادثة خطف منذ مطلع العام الجاري، وهو اسم مشبوه منذ عام 2014، ويدير الجريمة المنظمة بين ريفي درعا والسويداء، من تهريب السلاح والمخدرات، إلى الإتجار بالبشر، وتجارة السيارات المسروقة.
كما تطابقت بعض الشهادات لمخطوفين آخرين، أن احتجازهم كان في بلدة عريقة، منهم موظف في وزارة الدفاع، استطاع الفرار من خاطفيه الذي كانوا يحتجزونه في منزل داخل البلدة، الشهر الماضي.


ما دور السلطات ؟


تطابقت شهادات أقارب المختطفين الذين تحدثت لهم السويداء 24، عن اكتفاء السلطات الأمنية في معظم الحالات، بتسجيل بلاغ الخطف، دون اتخاذ أي إجراءات جديّة. وتصوّر الجهات الأمنية الأوضاع في المحافظة لأهالي المخطوفين، على أنها خارج السيطرة، وكأنها تنهي أي أمل أمامهم، وتتركهم لخيار الفدية.


وفي حال كانت السلطات متعاونة بعض الأحيان، أو تدخلت وساطة أمنية لصالح المخطوف، فأقصى ما تقدمه، تحديد آخر مكان لبث جوال الضحية، وبعدها “دبّروا أنفسكم”، كما قال مسؤول جهاز أمني لأحد ذوي المخطوفين.


لكن عصابات الخطف طوّرت من أساليبها، لتجنب مراقبة الاتصالات والهواتف من السلطات، فباتت منذ اللحظة الأولى لاصطياد الضحية، تكسر شريحة الاتصال التي معه، وتبقي جواله للتواصل مع عائلته عبر تطبيق الواتساب الخاص به.


كما تركّز عصابات الخطف على استهداف ضحايا من خارج محافظة السويداء، وذلك لتجنب الضغط الاجتماعي الذي ينجم عن اختطاف أحد أبناء المحافظة. وجميع المدنيين الذين تم اختطافهم منذ مطلع العام الجاري، استُدرجوا من محافظات مختلفة.


لا حلول في المدى المنظور


كانت محافظة السويداء تسجل أرقاماً مرتفعة في عمليات الخطف، بين 2018-2022، قبل حصول انتفاضة شعبية الصيف الماضي، ضد أبرز العصابات المتورطة بالانتهاكات. ورغم اجتثاث وتفكيك أبرز تلك العصابات، إلّا أن الظروف التي فرّختها، لم تنتهي، والفصائل المحلية التي تصدّرت المشهد مؤخراً، لم تنجح في خلق وسائل ردع مستدامة.


وتمثّل السياسات الأمنية، العامل الأبرز في تنامي الجريمة المنظمة، فمن تغول السلطة الأمنية على القضاء، إلى تكبيل الضابطة العدلية، وصولاً لرعاية الأجهزة الأمنية بعض العصابات وإطلاق يدها مقابل تنفيذ مهام أمنية محددة، إضافة إلى عوامل أخرى متداخلة، سياسية واقتصادية واجتماعية، تجعل الواقع الأمني معقداً، وبعيداً عن الاستقرار في المدى المنظور.


ويرى مصدر ينشط في توثيق الانتهاكات، أن مستوى الجريمة المنظمة سيرتفع في الفترة القادمة، فالمجتمع منهك على كل المستويات، والفصائل المحلية الفاعلة بعيدة تماماً عن البنية التنظيمية والمؤسساتية، والتعويل عليها لخلق استقرار أمني، غير منطقي، فالظرفان الأمني والاقتصادي، هما المحرك الأبرز للأوضاع.