تحقيق: الإهمال يحوّل صلخد إلى مدينة منسية

تبدو مدينة صلخد -ولسوء الخدمات فيها وتقصير المسؤولين والمشرفين فيها وفي مجلس المحافظة وفي الهيئات والمنظمات الحزبية المختصّة- قرية صغيرة أو خربة خالية، خاصة بعد ساعات الظهيرة، حيث تشلّ حركة الأسواق التجارية فيها.

وتعدّ المدينة الواقعة جنوب السويداء، ثالث أكبر مدن المحافظة، وهي مركز منطقة إدارية في محافظة السويداء، تتبع لها ثلاث وثلاثون قرية من ضمنها أربع نواح: ملح، القريا، ذيبين، والغارية.

وتضم صلخد مؤسسات حكومية إدارية وخدمية كمركز منطقة، مجلس مدينة، مديرية منطقة، مؤسّسة مياه، مؤسسة كهرباء، مؤسسة مواصلات سلكية ولا سلكية، مصلحة زراعة، مديرية مال، فرن آلي، ومصرف زراعي، كما تمّ تشييد قصر عدلي مؤخّراً، ودائرة للشئون الإجتماعية والعمل.

يضاف إلى ذلك، منشآت تابعة لوزارة التربية والتعلي مجمّع تربوي، ثلاث ثانويات وأربع إعداديات والعديد من المدارس الإبتدائية “تعليم أساسي”ح1-ح2” وعدة معاهد تعليمية خاصة ورياض أطفال.

ولا بد من الإشارة إلى وجود مشفى حكومي يحتوي العديد من الخدمات والتجهيزات الطبية وكادر تمريضي متفاني في عمله، ولكنه يفتقر لوجود أطباء مختصين ومداومين -طبيب واحد فقط في معظم الأوقات- وذلك لعدم اهتمام المسؤولين ذوي الشأن في المحافظة بهذا الموضوع، مما يجعله فندقاً أكثر من مشفى ويقتصر عمله على الخدمات الإسعافية.

مشاكل متراكمة

يعزوا تجار صلخد شلل حركة الأسواق، إلى مشكلة الترانزيت، وهذا ما أكّده رئيس غرفة التجارة والصناعة في السويداء في زيارته الأخيرة برفقة أمين الشعبة الحزبية ورئيس مجلس المدينة وبعض من ذوي الشأن، عندما وجدوا تراجعاً كبيراً في الحركة التجارية ضمن أسواق المدينة.

وتعدّ مشكل ضعف الحركة، أبرز العوائق التي تواجه المدينة، بسبب حركة الترانزيت التي تنقل أهالي القرى التابعة للمدينة -خصوصاً الشرقية- مباشرة إلى مدينة السويداء، ما يحرم سوق صلخد من حركة التبضّع فيه.

كما تبرز عدة مشكلات في المدينة، منها عدم وجود منافذ صرافات حكومية، وعدم وجود مكاتب شحن للبضائع وهذا ما يضيف زيادة في سعر المادة ومعاناة أكثر في نقلها واستلامها، فضلاً عن ساعات التقنين الطويلة للتيار الكهربائي، وافتقار المدينة لوجود تجار جملة.

ضعف القدرة الشرائية أس المشكلة

لا بدّ من الإشارة إلى أنّ ضعف الحركة التجارية في سوق صلخد ينطوي تحت بند ضعف القدرة الشرائية للمستهلك في منطقة صلخد عموماً وذلك لأنّ أكبر شريحة موجودة هي من أصحاب الدخل المحدود، وهذه الشريحة هي المحرّك الأساسي للسوق.

ولا تتعدى إمكانية فاعليتها أياماً قليلة من الشهر عند مواعيد استلام الراتب الشهري، إضافة لشريحة قليلة لا يمكن التعويل عليها، وهي متلقي الحوالات من الأقرباء المغتربين.

وهنا تبرز مشكلة عامة، تتمثل في تكسير وتهميش وإفقار الطبقى الوسطى في المجتمع السوري عموماً، الأمر الذي زاد من عدد المواطنين الذين يعيشون تحت خطّ الفقر المدقع وبكلّ المعايير هو الأسّ الأساسي والحقيقي للمشكلة، وتبقى كلّ الأمور الباقية نتائجاً وشكليّات إجرائية.

ليس في جعبة الحكومة إلا الوعود

أحد المعنيين قال للسويداء 24، إن وعوداً كثيرة من المسؤولين تم تقديمها وهناك مساعٍ لحل هذه المشكلة،  فقد تمّ التواصل مع بنك بيمو وبنك التمويل الصغير للمشاريع الصغيرة، خلال اللقاء مع مديريّ المصرفين في المركز الثقافي في صلخد.

وأشار إلى وعود بتأمين تغذية السوق بالطاقة الكهربائية مساء، كما تمّ الاتفاق مع أحد مكاتب الشحن لتوصيل البضائع من الأسواق المركزية إلى صلخد، بعد التنسيق مع التجار ورئيس مجلس المدينة ودراسة موضوع الترانزيت مع المحافظ.

المدينة عطشى

تعاني مدينة صلخد من مشكلة كبيرة وأساسية إضافة للمشاكل الكثيرة سابقة الذكر، وهي مشكلة المياه، والمعاناة التي يعانيها أهالي صلخد في تأمين مياه الشرب والإستخدام المنزلي وانقطاعها لأسابيع وفترات طويلة ممّا يضطّر الأهالي لشراء نقلات مياه خاصّة بسعر يتراوح ما بين -60 و65 ألف ليرة.

ويعادل هذا الرقم، ثلاثة أرباع الدخل الشهري للموظف، في حين تبقى وعود شركة المياه الواهية، والحجج المعهودة من تعطيل الغطّاسات الدائم وعدم وجود وقود للمولدات وانقطاع الكهرباء، وذرائع كثيرة ما أنزل الله بها من سلطان تزيد من معاناة أهالي المدينة أكثر وأكثر على مبدأ “فوق قرقو ثقّالي”.

لمحة عن تاريخ المدينة

تتربّع صلخد على مرتفع بركاني من صخر البازلت الصلد، وهو المعنى لاسمها الذي حملته على مرّ التاريخ، فهي “صرخد” وتعني “الشهم الصلد القوي”، وفي بعض الدراسات التاريخية اتت باسم “سلخه”.

كانت المدينة ثغراً رومانياً مهماً حارساً، وموقع اتصال بين خطّ الثغور الحدودية على مراحل العهود الرومانية والنبطيّة والأيوبيّة الإسلاميّة، وتضم آثاراً متنوعة من كل تلك العصور، ما يمكن أن يجعلها وجهة استقطاب سياحي، لو تم الاهتمام بهذا الجانب.

على تلك القمّة البركانية والتي ترتفع إلى ما يقارب-1350م- تتوسطها قلعتها على ارتفاع-1450م-والتي تعرضت كثيراً للهدم على مراحل وعهود مختلفة، رغم أنها تشكّل معلماً سياحياً مهماً ومميزاً تعرض للإهمال والنسيان  مثل باقي  المعالم الأخرى، وهي تشرف على سهول تمتدّ جنوباً وشرقاً.

استصلح وعرها أيادي ساكنيها لتغدوا ملكيات زراعية -صغيرة نسبياً- بعلية لا يمكن الإعتماد عليها فقط في العيش، وهذا ما جعل معظم قاطنيها يعتمدون على مردودية الوظائف في القطاع العام، والأعمال المهنية الصغيرة الخاصة، والإغتراب الذي تزايد بشكلٍ مضطرد بعد العقد الأخير والأزمة التي تمرّ بها البلاد عموماً.

يمتدّ العمران في صلخد على مساحة أحد عشر كيلو متر مربع، ويبلغ عدد سكانها المتواجدين بها  خمسة عشر ألف نسمة-حسب إحصائيات 2004- ويقارب عدد قاطنيها الآن حوالي العشرين ألف نسمة.

أحد أهالي صلخد قال معلقاً على التقصير الحكومي بحق المدينة: الوعود كثيرة.. وخطابات المسؤولين أكثر.. ولكن متى سيكونون على قدر المسؤولية تجاه مواطنيهم…؟! الله أعلم.. إنّ النسيان نعمة، ولكنه نقمة تجاه مدينة وتجاه وطن.