هل غيّر الأردن قواعد الاشتباك على حدوده مع سوريا ؟

في تطور لافت عقب سقوط نظام الأسد، نفذ سلاح الجو الأردني غارتين على قرية سورية في أقصى جنوب شرق محافظة السويداء، فجر الثلاثاء، عقب يومين من إعلان الجيش الأردني إصابة ضابط من وحدات حرس الحدود خلال التصدي لمحاولة تهريب مخدرات على حدوده مع سوريا.

استهدفت الغارتان موقعين داخل قرية الشعاب التابعة إدارياً لمحافظة السويداء جنوب سوريا، مما أدى لتدمير حضيرتي مواشي وتسجيل أضرار مادية في بيوت وسيارات، إضافة إلى نفوق العشرات من رؤوس الماشية، دون تسجيل إصابات بشرية، وفق مراسل السويداء 24 الذي وصل إلى القرية عقب يوم من القصف، وعاين الأضرار.

تبعد القرية المستهدفة عن الحدود الأردنية حوالي 10 كم، ويقطنها سكان ينتمون لعشائر البدو. وهذه ليست المرة الأولى التي يقصفها سلاح الجو الأردني، إذ استهدفها بعدة غارات عام 2023، تسببت إحداها بمقتل تاجر مخدرات بارز مع زوجته وخمسة من أطفالهما في ضربة جوية طالت منزله الفخم على أطراف هذه القرية النائية، وهو مرعي رويشد الرمثان.

تحدثت سيدتان من القرية صباح الثلاثاء مع مراسل السويداء 24، على أنقاض بناء مدمر بجوار منزليهما، عن خشيتهما على حياة أطفالهما من تجدد عمليات القصف على القرية، عقب غيابها لأكثر من سنة. وقد أنكرت السيدتان وجود تجار سلاح أو مخدرات في المكانين المستهدفين، وناشدتا السلطات السورية والأردنية بتحييد المدنيين عن مخاطر القصف.

لكن المحلل السياسي الأردني صلاح ملكاوي، المختص بالشؤون السورية، قال إن الاستهداف الجوي الأردني طال مستودعات تُستخدم لتخزين الأسلحة والمخدرات، واصفاً ما حصل بأنه تغيير في قواعد الاشتباك من جانب الجيش الأردني، استجابة للتحديات الأمنية الجديدة على حدود المملكة الشمالية مع سوريا، عقب سقوط نظام الأسد.

وأوضح ملكاوي أن أحد المستودعات التي استهدفها القصف الجوي تعود لأحد المسؤولين عن محاولة تهريب شحنة المخدرات الأخيرة التي أحبطها حرس الحدود الأردني، عقب اشتباكات أسفرت عن إصابة ضابط أردني، ومقتل أحد المتسللين. ويتوقع المحلل الأردني أن تصعّد القوات المسلحة الأردنية من عمليات الاستهداف لجماعات التهريب داخل الأراضي السورية، وأن تلجأ إلى تكتيكات جديدة، بعدما باتت الأخيرة أكثر عدائية وتستخدم أسلحة متنوعة ضد حرس الحدود الأردني خلال محاولات التهريب.

تمتد الحدود السورية الأردنية على مسافة 375 كم، وشكّلت طيلة السنوات الماضية مصدر قلق للأردن نتيجة تزايد أنشطة تهريب المخدرات والسلاح من الأراضي السورية، ما دفع الجيش الأردني لتغيير قواعد الاشتباك على الحدود عدة مرات، والتعامل بصرامة مع محاولات اختراق الحدود من جماعات التهريب. ومنذ عام 2021، باتت الحدود المشتركة بين سوريا والأردن مسرحاً لمواجهات حامية واشتباكات متكررة بين الجيش الأردني والمهربين، ما تسبب بسقوط عدد كبير من القتلى، كان بينهم 27 قتيلاً دفعة واحدة من المهربين مطلع عام 2022، فضلاً عن تسجيل إصابات في صفوف حرس الحدود الأردني، وأحياناً قتلى.

عادةً لا يتبنى الجيش الأردني الضربات الجوية التي ينفذها داخل الأراضي السورية لمكافحة تجارة المخدرات ولا ينفي حدوثها. وفي عامي 2023-2024، نفذ ما لا يقل عن خمس ضربات جوية، كان آخرها في 18 يناير عام 2024، عندما تسببت إحدى الغارات بمقتل 10 أشخاص بينهم نساء وأطفال في قرية عرمان جنوب شرقي السويداء، في حادثة خلقت توتراً دبلوماسياً بين خارجيتي سوريا والأردن، بعدما أصدرت الأولى بياناً استنكرت فيه الضربات الأردنية، وردّت الثانية ببيان اتهمت فيه الحكومة السورية بعدم اتخاذ أي إجراء لتحييد خطر تهريب المخدرات إلى الأردن “رغم تزويدها بأسماء المهربين والجهات التي تقف وراءهم”.

وعقب أسابيع قليلة من سقوط نظام الأسد في سوريا وانتشار مشاهد للعثور على مستودعات كبيرة لتخزين المخدرات في مقرات تابعة للنظام المخلوع، الذي كانت أجهزته متهمة بالإشراف على عمليات تهريب وتصنيع المخدرات، أعلن الأردن عن إحباط حرس الحدود محاولتي تهريب مخدرات في 1 و6 يناير قادمتين من الأراضي السورية. وأكدت القوات المسلحة الأردنية في بيان عزمها على “تسخير قدراتها وإمكاناتها لمنع التسلل والتهريب”.

تشير مصادر مطلعة على ملف المخدرات للسويداء 24، إلى أن استمرار محاولات التهريب على الحدود السورية الأردنية بعد سقوط نظام الأسد يرجع لعدّة عوامل، منها حالة الفراغ الأمني من الجانب السوري، وتخزين المهربين لكميات كبيرة من المخدرات منذ عدّة أشهر في المناطق القريبة من الحدود استعداداً لتهريبها في فصل الشتاء، حيث تساعد الظروف الجوية في هذا الوقت على عمليات التسلل، بالإضافة إلى المساحات الشاسعة في البادية السورية.

لكن العامل الأهم يكمن في أن مساحات طويلة من الحدود السورية مع الأردن باتت تحت نفوذ جماعات التهريب المنتشرة على شكل ميليشيات مسلحة في البادية السورية، إضافة إلى تنامي قدراتها بعد سيطرتها على العديد من مخافر حرس الحدود السورية وكتائب الهجانة التابعة للجيش السوري قبيل انهياره، والاستيلاء على كميات كبيرة من الأسلحة والذخائر التي كانت موجودة فيها، بما فيها أسلحة متوسطة وعربات مصفحة.

حصلت السويداء 24 على مشاهد فيديو خاصة سجّلها بعض أفراد تلك الميليشيات، يتحدثون فيها عن سيطرتهم على كافة كتائب حرس الحدود والهجانة الواقعة بمحاذاة الحدود الأردنية. وهذه النقاط العسكرية على الرغم من فعاليتها المحدودة سابقاً، إلّا أنها كانت تشكّل عائقاً أمام عمليات التهريب، وكان المهربون يضطرون للابتعاد عنها عند محاولاتهم التسلل إلى الأراضي الأردنية، قبل أن تصبح جميعها اليوم تحت سيطرتهم.

ويبدو أن الإدارة الجديدة في سوريا أمام تحدٍ كبير في مسألة ضبط الحدود مع الأردن، نظراً للمساحات الشاسعة مترامية الأطراف على الحدود الجنوبية والجنوبية الشرقية لسوريا. ولم ترسل إدارة العمليات العسكرية أية تعزيزات حتى تاريخ اليوم إلى هذه المناطق الحدودية الممتدة من بادية حمص إلى ريف دمشق والسويداء ودرعا، في ظل تحديات وتعقيدات كبيرة تعيشها البلاد على مختلف المستويات، وهذا ما يفسر تصعيد الجيش الأردني عبر تنفيذ عمليات هجومية داخل سوريا، حيث يواجه منفرداً التهديدات على جبهة طويلة من الحدود.