تطورات خطيرة بملف التهريب: “حرب مفتوحة” على الحدود

شهدت الحدود السورية الأردنية مواجهات عنيفة في عدة محاور الليلة الماضية، جرّاء تصدي حرس الحدود الأردني لمحاولات تهريب من محاور مختلفة. واندلعت اشتباكات أسفرت عن مقتل ضابط صف أردني وإصابة آخر، ومقتل وإصابة عدد من المهربين.

من جنوبي قرية ذيبين إلى العانات والشعاب وخازمة، وصولاً إلى الحرّة والحماد السوري، في البادية، عشرات المهربين في مجموعات متفرقة، استغلوا الأجواء الضبابية، ونفذوا محاولات تسلل متزامنة على أكثر من عشر محاور، وضمن مسافة تزيد عن 100 كم، في تطور ملفت لتكتيكات التهريب، وفق مصادر خاصة للسويداء 24.

حرس الحدود الأردني، أطلق القنابل المضيئة، وفتح نيران رشاشاته باتجاه مجموعات التهريب. ردّ المهربون بأسلحتهم الآلية، لتكون اشتباكات الليلة الماضية من أعنف الاشتباكات على الحدود السورية الأردنية، التي وصفت بحرب حقيقية، وفق ما أكد مصدر أردني، ومصادر محلية من أهالي القرى الحدودية.

التهريب يتفاقم بتكتيكات جديدة

المحلل السياسي الأردني صلاح ملكاوي، المختص بالشأن السوري، أكد في تصريح للسويداء 24، أن عمليات تهريب المخدرات من سوريا إلى الأردن تزايدت وتيرتها في الاشهر القليلة الماضية، وهذا ما تؤكده البيانات المعلنة من القوات المسلحة الأردنية، وإدارة مكافحة المخدرات.

وكشف ملكاوي أن عدد المجموعات التي تحاول تجاوز الحدود الأردنية من الجانب السوري ارتفع بشكل ملفت، موضحاً أن المشاهدات الأمامية لحرس الحدود كانت ترصد محاولات تسلل من عشر مجموعات في الليلة الواحدة، لكن العدد تضاعف في الآونة الأخيرة.

وقال إن الكثير من مفارز الهجانة السورية متورطة في عمليات التهريب، إلى حد استضافة المهربين الذين ينطلقون أحياناً من لمخافر السورية، أو يفرّون لها عندما يستهدفهم حرس الحدود الأردني.

فيما تشير مصادر خاصة للسويداء 24، إلى أن عمليات التهريب على الحدود باتت تدار بطريقة مركزية، وتنسيق غير مسبوق بين متزعمي شبكات التهريب، وهذا ما تدل عليه محاولات التسلل المتزامنة على مسافة تزيد عن 100 كم خلال الفترة الماضية.

الأردن يقرّ أعلى ميزانية للدفاع في تاريخه

لفت المحلل السياسي صلاح ملكاوي، إلى أن الحكومة الأردنية أقرّت أعلى ميزانية في تاريخ البلاد لوزارة الدفاع للعام 2024، و”من المؤكد أن لحرس الحدود نصيب مهم من هذه الزيادة”، وفق قوله.

ملكاوي أكد أن حرس الحدود الأردني والأجهزة المختصة الأخرى في عملية تطوير دائمة لأساليب وتكتيكات  التصدي لعمليات التهريب. وأضاف “في أي لحظة تشعر السلطات الأردنية أن حجم التهديدات يتزايد، من المؤكد أنها ستعمل على تطوير آليات الاستجابة والتصدي ضد المهربين”.

كما أفصح: قبل تغيير قواعد الاشتباك على الحدود الشمالية في عام 2022، كان حرس الحدود الأردني يستهدف المتسللين عند دخولهم إلى الأراضي الأردنية. وبعد ذلك التاريخ الذي شهد تزايداً في عمليات التهريب، وأساليباً عدائية ضد قوات حرس الحدود، باتت الأخيرة تضرب المهربين بصرامة، من لحظة وصولهم إلى المنطقة الحرام الفاصلة بين حدود البلدين.

وأكد أن الجيش العربي الأردني لديه إصرار على إنهاء هذا الملف وحسمه والوقوف بوجه أي تهديد يمس أمنه وأمن مجتمعه. وشدد على أن السلاح لا يميز بين التاجر والدليل والمهرب، وعندما يطلق النار فهو يستهدف أي شخص يحاول عبر الحدود بطريقة غير مشروعة، “وفي النهاية هم يدفعون ثمن أخطائهم”.

هل فشلت مبادرة خطوة بخطوة ؟

كان للأردن دور محوري في المبادرة العربية “خطوة بخطوة”، التي انطلقت العام الحالي، وتهدف إلى إيجاد حل لإنهاء الأزمة في سوريا. ومن بين شروط تلك المبادرة التي أعادت النظام للجامعة العربية، تعاون سلطاته في ملف مكافحة المخدرات.

وزير الخارجية السورية فيصل المقداد، تعهد خلال اجتماع اللجنة العربية في عمان، في آيار الماضي، بالتعاون في ملف مكافحة التهريب، من خلال تسليم إحداثيات ومواقع تصنيع المخ.درات للجانب الأردني، ومعلومات حول شبكات التهريب، “لكنهم لم يقدموا اي شيء”، وفق تأكيد صلاح ملكاوي.

ملكاوي أوضح أنه بعد المبادرة الأردنية “خطوة بخطوة” التي تبنتها الدول العربية، لوحظ تراجع في عمليات التهريب من سوريا إلى الأردن، لفترة زمنية محدودة لم تتجاوز الأربعة شهور. وأكد أن هذا التراجع قابله تزايد في عمليات التهريب عبر الموانئ السورية.

لكن الفترة التي تراجع فيها التهريب على الحدود السورية الأردنية، كانت بين آيار وأيلول، وهي “العطلة الصيفية” لشبكات التهريب، كما يصف مصدر مطلع على ملف التهريب.

النظام السوري لا يتعاون

يرى المحلل الأردني، أن غياب الدولة السورية هو السبب الأبرز في تفاقم عمليات تهريب المخدرات، ناهيك عن الظروف الرئيسية الأخرى من فساد في أجهزتها بات يرتقي إلى إدارة ممنهجة لملف صناعة وتهريب المخدرات.

صلاح ملكاوي كشف للسويداء 24، أن وزير الخارجية السورية قال أمام اللجنة العربية، إن النظام لا يسيطر على المحافظات الجنوبية في درعا والسويداء والقنيطرة، وخصوصاً المناطق الحدودية منها، وأن النظام ليس لديه النفوذ والقوة المناسبة للسيطرة على هذه المناطق.

وأشار إلى أن التعاون بين سلطات البلدين كان قائماً قبل عام 2011، حيث كان التنسيق مشتركاً لعمليات مكافحة التهريب على جانبي الحدود. وبعد ذلك التاريخ، باتت السلطات الأردنية تكافح لوحدها عمليات التهريب القادمة من الأراضي السورية، والتي تهدف لإغراق الأردن ودول الجوار بالمخد.رات.

حرب مفتوحة على الحدود

بدأ فصل الشتاء وبدأت معه عمليات تهريب المخدرات من سوريا نحو الأراضي الأردنية. ويخوض الأردن حرباً مفتوحة على حدوده الشمالية دفاعاً عن أمنه القومي، كما تصف مصادر أردنية.

قبل اسبوعين، وثقت السويداء 24 اختفاء ثلاثة مهربين من عشائر السويداء، على الحدود السورية الأردنية، خلال محاولتهم تهريب المخ.درات. لاحقاً اعلن الجيش الأردني مقتل المهربين الثلاثة، وضبط كميات من المخد.رات كانت بحوزتهم.

ويبدو الإعلان عن مقتل ضابط صف برتبة وكيل أول، من الجيش الأردني اليوم الثلاثاء، تطوراً ملفتاً لن يمر بسلام. فمنذ عام 2022، غيّر الأردن قواعد الاشتباك على حدوده الشمالية، بعد مقتل ضابطين بنيران عصابات التهريب. تعامل حينها الجيش الأردني، بصرامة أكثر مع محاولات التهريب، مما أدى لمقتل عشرات المهربين على مدار سنتين.

وتشير الكثير من التقارير الصحافية إلى تورط جهات  تابعة للنظام السوري وميليشيات مدعومة من إيرا.ن، في عمليات تهريب المخدرات نحو الأردن، ووثقنا في السويداء 24 دوراً محورياً في هذا الملف لثلاث أطراف رئيسية: الفرقة الرابعة، شعبة المخابرات العسكرية، ح.ز.ب الله اللبناني.

هذا المشهد المعقد، يقودنا إلى احتمال حدوث المزيد من التصعيد على الحدود السورية الأردنية، وتلقي عصابات التهريب ضربات قاسية من الجيش الأردني، وربما يكون له ارتدادات على الأوضاع السياسية الراهنة في المنطقة، وفق محللين.