الوجه الآخر لحراك الجنوب السوري

شكلت سياسات النظام السوري الدافع الأهم للمحتجين في انتفاضتهم جنوب سوريا، ولحالة النقمة الشعبية بعموم الأراضي السورية.

ففي الوقت الذي يُتهم به المحتجين أنهم أدوات لدول وأجهزة استخبارات، يتم تجاهل الأسباب الفعلية للحراك والحاضنة الشعبية له من جميع شرائح المجتمع، بظل مساعي النظام الحثيثة لإفساد القطاع العام في سوريا، والعمل المتواصل على إفقار المزارعين الذين يشكلون اغلبية سكان الجنوب السوري.

لماذا نزرع؟ هذا السؤال هو الأهم للشريحة الأكبر من أبناء جنوب سوريا وباقي السوريين، الذين ربطوا أحلامهم على مدار عشرات السنوات بمواسمهم الزراعية، فالزراعة حالياً هي عبارة عن خسارة مؤكدة.

لنأخذ محصول القمح الاستراتيجي نموذجاً، بحسبة الأرقام فإن كلف زراعة 1 دونم من (القمح) تصل لـ 450 ألف ليرة سورية أو ما يعادل 35 دولار امريكي، بينما حكومة النظام السوري تسعر (القمح) بـ 3000 ليرة سورية وبحساب وسطي للإنتاج باعتبار متوسط الإنتاج هو 100 كغ لكل 1 دونم فإن المبلغ الإجمالي هو 300 الف ليرة سورية أي اقل من 23 دولار امريكي، بفرض استقرار سعر الصرف بين موسم الزراعة وموسم الحصاد، أي أن المزارع يخسر تعبه وامواله التي يدفعها ككلف انتاج.

بالمقابل النظام السوري لو كان يسعى فعليا لعدم إفقار السكان من (المزارعين) فتجربة مناطق قوات سوريا الديمقراطية لموسم 2023 شكلت حلاً لإشكالية المزارعين، كونه تم تحديد سعر شراء المحصول بالقطع الأجنبي وقد تم تحديد السعر بـ 43 سنت امريكي لكل كغ، وهذا يعني أن المزارع ولو تم دفع الأموال له بالليرة السورية وقت تسليم المحصول قد ضمن هامش ربح، علماً أن النظام يشتري القمح من حليفه (الروسي) بالقطع الأجنبي.

ومعادلة القمح تنطبق على جميع الزراعات بمناطق جنوب سوريا وباقي المناطق السورية، فشريحة واسعة من السكان أصبحت تحت تهديد الابتزاز نتيجة سياسات النظام السوري، وهي أصبحت (مرابع مجاني) للنظام السوري، وهذه الشريحة باتت تشكل حاضنة للحراك الشعبي ولاسيما أنها تشعر بخطر وجودي وبأنها الشريحة الأكثر عرضة للإفقار والإذلال من قبل النظام السوري.

أنا لست فاسد؟ وهذا سؤال آخر بات يطرح من قبل شريحة من السوريين، كونه من حق أي موظف بـ (القطاع العام) بسوريا أن يحصل على أجر شهري يضمن له (حد الكفاف) لكي لا يكن ضمن ماكينة (الفساد المنظم).

النظام السوري حدد متوسط الأجور و الرواتب في سوريا عند حاجز الـ 24 دولار امريكي حاليا شهريا، وهذا الحاجز قابل للانخفاض مع أي انهيار جديد لسعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار الأمريكي.

علما أن (حد الكفاف) لأي عائلة في سوريا هو 100 دولار امريكي شهريا، ولو أراد النظام الحفاظ على كرامات الناس و الموظفين كان حدد الراتب كقيمة بأي عملة مستقرة او بـ (الذهب) ويدفع شهريا حسب سعر الصرف في سوريا.

فشريحة موظفي (القطاع العام) في سوريا هي أظام خيارين لا ثالث لهمها الأول هو ان تكن داعمة للحراك الشعبي المطالب بعد التغيير السياسي، بتحسين الوضع الاقتصادي وانهاء سياسات حكومة النظام السوري الاقتصادية، أو أن تكن ضمن منظومة (الفساد) لكي تبقى على قيد الحياة، وهذه الشريحة فعليا باتت تشكل حامل للحراك الشعبي بالجنوب السوري.

النظام السوري وضع السكان أمام خيارات محدودة وهي أن المزارع هو (مرابع مجاني) والموظف هو شريك بـ (الفساد) ، ونتيجة لهذا فإن هذه الشرائح باتت هي اليوم من تقود الشارع السوري وتطالب بالتغير للحفاظ على كرامتها ولضمان مستقبل افضل لأبنائهم، ولهذا باتت اليوم ألسنة الناس بالجنوب السوري تطرح شعارين وهما (لن ازرع – لن اكن شريك بمنظومة الفساد).

مظاهرات_السويداء