إذا كان الحصار السبب فلماذا كل هذا العتب ؟!

ساءت حال العباد من حكم الوالي خطار، ما من شيء يطبخ على النار، وباتت البلاد في طريقها إلى الانهيار، وانتشرت طوابير الدور في كل الديار، وكل ما سأل الناس الوالي عن سوء الحال قال: لعن الله التجار الكبار، وإن ما يحصل بكم سببه ذاك الحصار.

وارتفعت جميع الأسعار، وأصبح الغلاء كالنار، وذاق الشعب الجوع فوق المرار، وبعد طول صبر اتخذوا القرار، دعونا للوالي نرسل الاخبار، ونسمعه صوتنا ومطالب اهل الديار.

فكتبوا له: لقد أهلكنا جبروت جيشك، وإساءة ادارتك للقرار، حتى أصبحنا نشتهي الخبز والجبن والخيار، وسئمنا من صوت وزرائك الفجار، والعاملين في حكومتك رافعي الضرائب والأسعار، فلم يسمعوا خطابا او قرار، ولم يأبه لأمرهم الوالي خطار.

وفي الساحات تبادل الناس الأخبار، وقال أحدهم: لماذا نسلم أمرنا للوالي خطار، وإلى امتى نبقى صامتين، وعلى فساده ساكتين، ولعرشه خادمين، قوموا لنعزله فلعنة الله على الخانعين.

وقرر بعض العباد التنديد بالجوع القاتل، فتناقلوا رسائلاً تدعو للتظاهر عبر الحمام الزاجل، كُتب فيها: لنخرج إلى الساحات هاتفين، بحقوقنا مطالبين، ولرفع أجورنا سائلين، وضد الفساد صارخين، ولن يعود أحد منا إلى بيته حتى نكون من الفائزين. وعلى ذلك اتفقوا وكانوا متعاهدين.

وقعت إحدى الرسائل بين يدي وشاة الوالي، لقد قرر العباد الانتفاض على القائد الغالي، الذي كان غارقاً في سُكره لا يبالي، وما إن انتهت سهرة المجون والجواري، حتى جن جنون حاكم الباب العالي.

قال مستشار الوالي: من الحكمة يا مولاي أن نكون للفتنة زارعين، وأن نسلط على شعبنا المجرمين، الذين كانوا في السجن صاغرين، فسوف يكونوا سيفا على رقاب المحكومين، وللخطف والنهب والسرقة من الفاعلين، وأني لك يا مولاي من الناصحين.

وأضاف قائد جيشه: مولاي دعني اجعلهم عبرة للمترددين، قبل أن يتكاثروا عددا ونكون من النادمين.

فصاح الوالي خطار: اقتلوا الحمام الزاجل، وانشروا الجيش من البر إلى الساحل، وأطلقوا سراح كل السارقين، وسلحوا المخربين، ولاحقوا المنددين حتى يتوب الناس ويقرون أنهم للوالي ظالمين، ولعهد الأمن والأمان عائدين. وأرسلوا الرسائل للراغبين، بالدفاع عن منصبي من أصدقائي المستفيدين، واخبروهم بأني سأزيد اجر المقاتلين، واعطي ثروات الشام لمن يبقنا على العرش سالمين.

فصدم الناس لما حصل، الوالي أرسل جنوده وحرسه لنا على عجل، لم يفعلها مع السارق مهما فعل، ولا لقطاع الطريق ذلك حصل، ولا للمتخاصمين من أهل المدينة أرسل من ينهي بينهم الزعل.

وتساءلوا فيما بينهم: لقد كان الوالي يقول: ان الغلاء والبلاء سببه الحصار، فلماذا يخشى من هتافٍ يطالب بخفض الأسعار. اليس الحصار هو السبب، فلماذا لدى الوالي كل هذا العتب؟!