العفو المزعوم يُدمي قلوب السوريين

ما إن أصدر الأسد المرسوم القاضي بالإعفاء عن ما أسماها “الجرائم الإرهابية”، وإخلاء سبيل “مرتكبيها” من السجون المكتظّة، حتّى فلتت المصائب، من أوجاع وفضائع، لا يخلو منها بيت في سوريا. الأسد وإعلامه السلطويّ، حاولا إظهار المرسوم على أنه نقلة نوعيّة وبارقة أمل جديدة، في دهاليز سنوات الحرب القاسية.

لكن، خلال اليومين الماضيين، عكس ذلك المرسوم، مشاهداً مؤلمة من الشّارع السوريّ وصوراً في أرض الواقع، تكشف فضاعة ما خلف المرسوم، وما يخفيه بعد. في حين يبدو أنّ السلطة لا تزال تغنّي لتطرب وتنال إعجاب المجتمع الدوليّ والغرب فقط، بحثاً منها عن اعفاءات دبلوماسيّة لمسؤوليها، وأيّ فجوة تحّشرُ قياداتها فيها خارجيًّا بمقاعد الأمم ؟

كدليلٍ بسيط لذلك، فقد صدر العفو دون قوائم بعدد المعفيين عنهم، لا بل صنعت السلطة بعفوها المزعوم، مآساة جديدة لذوي المفقودين، دون مبالاة بالسنوات الطويلة التي قضوها في انتظار ابناءهم، يعدّون الثواني والدقائق، علّهم يسمعون أي خبر عنهم.

مواقع التّواصل الاجتماعي، والصور الظاهرة من شّوارع دمشق، وتحديداً من على جسر الرئيس وحوله آلاف  ينتظرون نبأ واحداً لقريب أو أب أو أخ أو ابن، فكان التجمع طريقاً وحيداً للبحث وزرع الأمل في قلوب المفجوعين، بفعل الانتظار لا غير.

ليأتي ردّ السلطة عبر حكومتها، بدعوة النّاس لمغادرة التجمّعات في الطرقات، بداعي أنّ الإفراج عن المعتقلين سيأتي على دفعات متتالية. يبدو أن مشاهد التجمعات تلك، لم تكن بحسبان السلطة، التي حذفت مشاهداً مصورة عن وسائل الإعلام الخاضعة لرقابتها، وربما تتخوف من ردود فعل سلبيّة.

السلطة السوريّة وبرغم مناشدات النّاس التي إكتوت من أوجاعها طوال سنوات، لم تأبه بالبتّة، لتبنّي ولو منصّة إلكترونيّة أو رقم للتّواصل، لتسجيل أسماء السوريين المغيبين في أقبيتها، كنوعٍ معنويّ لما هلّل له المرسوم وطبّل، واسهاماً للحياة الجديدة التي إدعاها الأسد للمعتقلين، أضف إليها عدم مقدرة أيّاً كان لتفقّد السجون لدى الأفرع الأمنيّة.

محافظة السويداء كان لها حصّة كبيرة من سفر برلك السوريين الطويل، فضجّت مواقع التواصل الاجتماعي  بأسماء عشرات المفقودين، والمعتقلين المغيّبين، في سجون السلطة، كثير منهم دون تهم، ولا تعلم عائلاتهم أي معلومات عن مصيرهم، ولم يسمع أحد بهم من قبل. هذا في السويداء التي بقيت مستقرة نسبياً، طوال سنوات الحرب، فكيف هو الحال في المناطق التي انتفضت ؟

المرسوم رقم 7 والذي أقرّ باخلاء سبيل واسقاط أحكام الإرهاب عن السوريين ممن لم يتورّطوا بقتل إنسان، أفاض دموع أمّهات هذه البلاد من جديد دون إنذار أو وعودٍ بتحويلها لدموع فرح، لتبقى غصّة الحياة الموعودة حبراً على ورق، أمام رخص حياة السوريين لدى تلك السلطة، التي ضربت المدن والقرى بالبراميل المتفجرة، والأسلحة الكيميائية، واعتقلت مئات الآلاف، لتحولهم إلى ملف للتفاوض وإبداء حسن النيّة، أمام المجتمع الدولي.