تحقيق: الحجز على أموال ناهبي المحروقات في السويداء

صدر قرار عن وزارة المالية بالحجز الإحتياطي على الأموال المنقولة وغير المنقولة العائدة لمدير المحروقات السابق في السويداء، مع 18 اسماً آخراً من أصحاب محطات الوقود، وزوجاتهم، وشركائهم.


ويعد القرار، تأميناً لمبلغ يفوق 5 مليارات ليرة سورية، وهو قيمة مشتقات نفطية وصلت إلى محافظة السويداء خلال ثلاثة شهور فقط، وباعها أصحاب المحطات في السوق السوداء، بالتعاون مع مدير المحروقات السابق، في وقت يعاني فيه أهالي السويداء أزمات معيشية قاسية بسبب حرمانهم من هذه المخصصات.


القرار الوقائي الصادر بناءاً على كتاب من الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش، “حول نتائج التدقيق الأولي حول موضوع الفساد في توزيع مخصصات محافظة السويداء من المشتقات النفطية”، موقع من معاون وزير المالية الدكتور رياض عبد الرؤف، وممهور بختم الوزارة، خلافاً لما أُشيع أنه لا يحمل أي توقيع.


متى بدأ التحقيق ؟


كشف مصدر خاص للسويداء 24، أن الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش في دمشق، بدأت التحقيق بملف الفساد، منذ شهر آب في العام الماضي، على خلفية كتاب وردها من مديرية التموين، ومحافظ السويداء، يكشف خللاً في عملية توزيع المشتقات النفطية الواردة إلى محافظة السويداء.


وأوضح المصدر، أن مكتب شعبة البطاقة الذكية، في مديرية المحروقات، اكتشف العام الماضي خللاً كبيراً في عمليات الإدخال في العديد من المحطّات، عندها رفع كتاباً للمحافظ، فحوّل المحافظ الكتاب لمديرية التموين، التي قامت بتحويله إلى وزارة التموين في دمشق، لتتشكل لجنة التحقيق من الهيئة المركزية الرقابة والتفتيش.


كيف اكتُشف الخلل ؟


تصل صهاريج المشتقات النفطية يومياً إلى محافظة السويداء، وتحمل فواتير رسمية من محطتي بانياس وحمص، مع مذكرة شحن تتضمن رقم الطلب ومعلومات عن كمية الكيل. ومن المفترض على صاحب محطة الوقود، إدخال هذه الكمية على جهاز المحطة المرتبط مع شركة تكامل، التي تقوم بدورها بإرسال رسائل التعبة إلى المواطنين بحسب الكمية.


الثغرة التي يستغلها أصحاب المحطات، هي عدم تدقيق الجهات الرقابية بالكميات المُدخلة بشكل يومي عبر شركة تكامل، واقتصار الأمر على عمليات جرد سنوية بالتعاون مع المحروقات. وعادة، كان يخفي موظفو المحروقات الفاسدين النقص، مقابل حصولهم على نسب مالية، وبالتالي تمر عملية الفساد المنظمة دون أي إشكالات.


على سبيل المثال: يصل طلب 20 ألف ليتر بنزين إلى محطة وقود، فلا تدخل هذه الكمية على جهاز القطع، وبالتالي يبيع صاحب المحطة الكمية كاملة في السوق السوداء، بأضعاف مضاعفة عن سعرها، وبأرباح خيالية من طلب واحد، ويتقاسم الأرباح مع مدير المحروقات والموظفين الفاسدين في المديرية، لإخفاء النقص.


ما هو إجراء الحجز الاحتياطي ؟


تشير أرقام لجنة التحقيق، إلى وجود نقص قيمته تفوق 5 مليارات ليرة سورية، بحسب كتاب وزارة المالية. مصادر السويداء 24 أكدت أن هذا النقص في المشتقات المسروقة، كان خلال ثلاثة شهور فقط حققت فيها اللجنة، وبالتالي ربما تبلغ قيمة المخصصات المسروقة على مدار السنوات الماضية، عشرات المليارات، تتنعم فيها فئة محددة، لتحرم غالبية السكان من مخصصاتهم.


وبحسب مختص قانوني، يعرف الحجز الاحتياطي، بأنه تدبير وقائي مؤقت وسلطة مخولة للقضاء، الهدف منه تقييد سلطة المحجوز عليه على ما يملكه من مال منقول أو غير منقول، منعاً لتهريب أمواله أثناء فترة المحاكمة وهذا المنع لا يحرمه حق الاستغلال والاستثمار لكن ليس له الحق في التصرف فيه.


ويلقى الحجز الاحتياطي من قبل وزير المالية على أموال الموظفين والأشخاص الذين ثبت بالتحقيق إساءتهم أو اختلاسهم للمال العام أو ضيعوا على الخزينة أموال محددة.


وأضاف المصدر أن الحجز الاحتياطي يلقى على أموال المحجوز عليه لحين الحكم بالدعوى فإذا صدر الحكم بالدعوى دون أن يحكم على المحجوز عليه بشيء، فإن بقاء الحجز الاحتياطي غير مبرر و يتوجب رفعه.


خلفية عن بعض المحجوز على أموالهم


الاسم الأول، خالد طيفور، وهو مدير فرع المحروقات سابقاً، ومسؤول المحطة التابعة لفرع محروقات السويداء المتواجدة على دوار العنقود، والمبلغ المُستحق عليه دفعه بحسب التحقيق 974 مليون ليرة.


الاسم الثاني، أسامة مبارك، مستثمر المحطات التالية: ذيب الجوده، الشاعر، فوزي صيموعه، باسم عماد، باهر أحمد، والمبلغ المُسحق عليه 571 مليون ليرة. الاسم الثالث، لصاحب محطة المرعي، التي يستثمرها عاطف مزهر، الذي يستغل صلته بميليشيا لآل مزهر في سرقة المشتقات، والمبلغ المُستحق عليه، مليار و13 مليون ليرة سورية.

ومن بين الأسماء يوسف بلان، بمبلغ 546 مليون ليرة، محطة سلوى نصر، يستثمرها يوسف الحمود، والمبلغ المطالب بتسديده 48 مليون ليرة، عمران مطر محامي وصديق مقرب لخالد طيفور 461 مليون ليرة، عبد الله بلان، المستثمر باسل صفا، 774 مليون ليرة، محطة الشهباء المستثمر مهدي عبد الحي 98 مليون ليرة.


مركز وجيه قيس الكراج الشمالي، المستثمر عاطف مزهر، المبلغ 274 مليون ليرة، محمد صعب مبلغ 95 مليون ليرة، عماد عامر مليار ومائة وخمس وثمانون مليون ليرة، راجي حمزة 40 مليون ليرة، شكيب عزام 135 مليون ليرة، فيصل ابو ترابي، 962 مليون.


مهنا ابو صعب 22 مليون ليرة، خالد نصر، وخلدون نصر، 141 مليون ليرة، وائل البني وشادي النابلسي مبلغ 139 مليون ليرة، هاني درويش صديق مقرب لخالد طيفور 480 مليون ليرة، محطة توفيق بلان، المستثمر، فداء عزام مبلغ 277 مليون ليرة.


الفساد لا يقتصر على المحطات


لا بد من الإشارة إلى أن هذه الأسماء التي يتضمنها التحقيق، تعدّ إحدى حلقات الفساد في ملف المحروقات، ولا يتوقف الأمر عندها، فحتى بعض المسؤولين في السلطة الأمنية، والسلطة التنفيذية، متورطون فيه، مع شخصيات دينية، واجتماعية، وفصائل مسلحة عديدة بالملف.


فخلال البحث في ملف المحروقات، اكتشفت السويداء 24، أن جهات دينية، وفصائل مسلحة مختلفة، تحصل على تكاليف شهرية من البنزين والمازوت، موقعة من المحافظ. وحصلت السويداء 24 على وثائق وورقيات، تُثبت أن رئيس شعبة المخابرات العسكرية، اللواء كفاح الملحم، يرسل توصيات إلى المحافظ، بأسماء وشخصيات معينة، لمنحهم مخصصات كبيرة من المشتقات، أو ليزكي أشخاص لضمان محطات معينة.


كما أن غالبية اصحاب المحطات، الذين صدر قرار الحجز الاحتياطي على أموالهم، لديهم ارتباطات مع السلطة الامنية، والفصائل المسلحة، وبعض رجال الدين. وفي كثير من الأحيان، تمارس هذه الأطراف الضغط على موظفين او لجان تفتيشية، لمنعهم من مخالفة المحطات، وتصل إلى حد تهديدهم بقتل أبنائهم.


يذكر أن المحطات المذكورة، لا تزال إلى اليوم تزوّد بالمحروقات، إلى حين صدور حكم قضائي بحقها، في وقت يبدو ضرورياً إيقاف تزويدها فوراً حتى تبيان الحقيقة، إن ظهرت، ولم تدخل الجهات الأمنية لإنهاء التحقيق، وإعادة الأمور إلى نصابها.


في حادثة سابقة، أقيمت مخالفات بحق أصحاب المحطات عام 2017، ليقوم القاضي المسؤول عن الملف باستلام حصته على ما يبدو، ورفع الحجز الاحتياطي عنهم دون اتخاذ أي إجراء. فهل سنعيد نفس المشهد من الفساد، ويبقى أهالي السويداء محرومين من مخصصاتهم على حساب ثراء فئة معينة لا يتجاوز عدد أفرادها العشرات ؟