رأي: لمصلحة من ترهيب والتعامي عن مطالب الناس

تنتشر منذ أيام في الساحات والشوارع الرئيسية لمدينة السويداء، قوات تتبع للدفاع الوطني، وقوى أخرى ما بين عناصر المهام الخاصة والأجهزة الأمنية، مدججين بالأسلحة الخفيفة والمتوسطة، ضمن ذريعة أن الحملة العسكرية التي وصلت إلى السويداء تهدف إلى اجتثاث عصابات الخطف والسلب، التي شوهت سمعة السويداء وأرقت أهالها. ويحمل كثيرون من أفراد تلك العصابات بطاقات أمنية، وعلى علاقة شخصية مع كبار ضباط الأجهزة الأمنية في السويداء ودمشق، والذين يصفونهم بالأصدقاء، فقد كانوا طوال سنوات ذراعهم الأمني في كثير من الحوادث الأمنية وغطاء للأعمال غير المشروعة، حتى أصبحوا قبلة ذوي المخطوفين والمسلوبين، يؤدون دور الوسيط في تحرير ذويهم مقابل مبالغ مالية كبيرة.

يترقب الكثير من أهالي السويداء نتائج هذا المشهد، وهم على يقين كما القيادات التي أرسلت قوى الأمن، أن السلطة لو كانت جادة في القاء القبض على هؤلاء المجرمين، فقد كان من الأجدى لها أن تكون تلك القوى تقف على أبواب رؤساء الأفرع الأمنية، فغالبية المتهمين بارتكاب الأفعال الجنائية يترددون إلى تلك المكاتب، ومعروف لهم عناوينهم وحتى عناوين الأماكن التي يستخدمونها لاحتجاز المخطوفين والإتجار بالمخدرات والسلاح، الأمر الذي يطرح الكثير من إشارات الاستفهام والتعجب.

إن أهالي السويداء المستائين من مشاهدة العصابات وأسلحتها، لا ينقصهم هذه المشاهد التي لا تضيف على الأجواء العامة في المحافظة إلا المزيد من التوتر والتهديد وفقدان الأمان، فبفضلها تزداد احتمالية أن يكون كل شخص عرضة ليتحول إلى ضحية أي إشكال أمني كحدوث تبادل لإطلاق النار لأي سبب كان.

ويبدو هنا أن السلطة تحاول لفت الأنظار عن الأوضاع المعيشية والاقتصادية والمطالب المُلحة لأهالي السويداء، وتوجيهها إلى الوضع الأمني، الذي يشكو منه الأهالي منذ سنوات طويلة، وحتى الآن لا تبدو حتى جدية لحل الأوضاع الأمنية، فلو تحولت تلك القوى التي أرسلتها إلى حواجز تقطع أوصال المدينة والمحافظة وتطلب من المارة بطاقاتهم الشخصية وتفتيش سياراتهم، لن يمر عليها المطلوبين بقضايا الخطف والسلب والقتل، بل من المتوقع أن يجدهم أهالي السويداء يشتركون مع تلك الحواجز كمتعاقدين معهم أو داعمين لهم فالتسويات ترحب بكل مسلح قد تلطخت أيديه بأي شيء، في حين تمنع عن الأخرين.

ورغم الكثير من المطالبات وخطط العمل المقدمة إلى أرفع المستويات الأمنية والسياسية في البلد، تصر السلطة على التعامي عن فهم واقع السويداء ومشكلتها، والعمل على تعميق الشرخ بين الدولة والمجتمع، الذي مازال يصر على أن مؤسسات الدولة هي مؤسساته وأن وحدة سورية واستقلالها بوصلته التي لم ولن يحيد عنها، والإمعان في توتير الأوضاع الأمنية بالرغم من حالة الاحتقان غير المسبوقة، جراء السياسات الاقتصادية الكارثية التي تنتهجها السلطة، والتي تزيد من إفقار الناس والدفع بهم إلى مغادرة أرضهم مكرهين.

كأن السلطة لا تتعلم من تجربتها أو لا تريد التعلم، فمنذ عام 2011 إلى حراك “بدنا نعيش” عام 2020، هناك من خرج ينادي بمطالب العيش الكريم وتغيير الفاسدين والمفسدين، رافضة أن تعي أنها بعدما قضت على الحياة السياسية والمدنية، لم يعد للمجتمع سوى النزول إلى الشارع والصراخ النابع من حاجته ومظلوميته وتهميشه وقهره، بعدما جردته من كل أدوات التعبير عن الرأي، فبكل غطرسة يأتي مسؤولو السلطة ويطلبون من المحتجين تقديم مطالبهم لدراستها، لإيقانهم أن الحراك غير منظم ولكل مشارك احتياجات خاصة لكن جمعهم الإحساس بالقهر والعوز.

ويبدأ مسلسل الطلبات والتنظيم والمقابلات لكل دون أي نية بإيجاد حلول، في الوقت الذي يزداد غضب الشارع لإحساسه بالاحتقار من السلطة وإهمال وجعه، خاصة أن لديه العديد من الشماعات من الاحتلال الاسرائيلي إلى الولايات المتحدة الأمريكية والمؤامرة الكونية. بالمقابل تزج بمزيد من العسكريين في الشارع، وكأنها تصب الزيت على النار، حيث النتيجة الطبيعية لهذا التصعيد هو حدوث صدام، وخاصة أن هذا ملعبها والمتنفذين بها تحولت الفوضة لديهم لفرص تحصيل المزيد من المكاسب.

ولا تعد مطالب غالبية سكان المحافظة وحالهم حال جميع السوريين، تعجيزية بل تحتاج فقط لحكومة وطنية نظيفة اليد، واشراك المجتمع في تنمية مناطقه، حيث يتم الحد من الفساد في مؤسسات الدولة وخاصة مؤسسات الوقود والمياه والمالية والنقل والعقارات وغيرها الكثير، وتنظيم المواد بشكل عادل ورفع الغطاء الأمني عن العصابات، ووضع خطة اقتصادية إسعافية للبدء بتحسين الواقع المعيشي عبر دعم المشاريع الصغيرة ومتناهية الصغر مع ضمان عملية التسويق.
والأهم والذي يعتبر القاعدة الأساسية لانطلاق العمل هو إطلاق عملية حوار منتجة، تجمع جميع المكونات التي على ساحة المحافظة دون إقصاء أو تخوين أو تجريم، لبناء عملية تشاركية تضمن البدء بالعمل لتحقيق مطالب الناس، وهي مطالب مشروعة ومحقة.      
      
وبالرغم من غنى السويداء بوجود قوى مدنية وسياسية تمتلك رؤية وطنية عميقة، تواصل السلطة في دمشق الاعتماد على تقارير أزلامها، التي دأبت منذ سنوات على تشويه حقيقة الواقع في السويداء ومطالب أهلها بالعيش الكريم وحفظ كرامة المواطنين والحد من الفساد وتفعيل القضاء النزيه، وتوريطها في مغامرة عنفية غير محسوبة النتائج في مرحلة قد تكون الأخطر على سورية عامة والجنوب خاصة، ما يجعل الرهان الوحيد على عقلاء السلطة إن وجد، وعقلاء السويداء لحماية البلد من كارثة جديدة ضمن المقتلة السورية، التي أفقدتنا الكثير من سيادتنا واستقلالنا وجعلت أرضنا مستباحة من قبل الكثير من الدول الطامعة باللعب بالورقة السورية، لمصالحها الضيقة، على حساب المواطن السوري ومستقبله.

المقالة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع إنما تعبر عن رأي كاتبها الذي فضل عدم ذكر اسمه.