من وفيق ناصر إلى كفاح الملحم: النتيجة واحدة

يعتبر جهاز الاستخبارات العسكرية، مسؤولاً عن الملف الأمني في السويداء، منذ العام 2011، ولا تتغير طريقة دمشق بالتعاطي مع هذا الملف، إلا باتباع اساليب مختلفة لفرض السطوة والقبضة الأمنية، لا سلطة القانون والقضاء، ولا مفهوم الدولة، الدولة المخطوفة منذ خمسين عاماً.

سياسة العنف

مطلع عام 2018، انتقل رئيس فرع الأمن العسكري في السويداء، العميد وفيق ناصر، بعد سنوات من إدارة الملف الأمني للمحافظة الجنوبية، بسياسة العنف ضد خصومه، التي وصلت إلى حد اغتيال الشيخ وحيد البلعوس، مؤسس حركة رجال الكرامة، وتفجير مشفى السويداء الوطني، في تاريخ 4 الرابع من أيلول 2015، مسبباً مجزرة راح ضحيتها عشرات المدنيين.

أدت مجزرة وفيق ناصر حينها، إلى انتفاضة مسلحة، هاجمت الفروع والمراكز الأمنية، وأسقطت التمثال الأكبر لحافظ الأسد في السويداء، فلم تنجح سياسة العنف والإذلال المباشر، ولم ينجح معها وفيق ناصر، في تطويع مجتمع الجبل.

سياسة الاحتواء

خلفاً لوفيق ناصر، صاحب السمعة السيئة في السويداء، عيّن النظام اللواء كفاح الملحم، مسؤولاً عن فرع الأمن العسكري في السويداء، ورئيساً للجنة الأمنية فيها، من شهر شباط 2018، حتى آذار 2019، عندما تمت ترقيته وتعيينه رئيساً لشعبة الاستخبارات العسكرية، التي لا يزال على رأسها حتى اليوم. وتم تعيين العميد أيمن محمد، مسؤولاً عن فرع السويداء، والذي تماهى بطبيعة الحال مع سياسة الملحم.

سنة واحدة للملحم في السويداء، كانت كفيلة ببناء شبكة من العلاقات، مع فصائل مسلحة متعددة الولاءات، استطاع خلالها استمالة خصوم سلفه وفيق ناصر، عبر سياسة الاحتواء. كان مكتبه مفتوحاً للجميع، وبنى صداقات “متينة” مع قادة المجموعات والفصائل، استجاب لمطالبهم، فتح لهم خطوط التمويل الذاتي: نقل سيارات غير قانونية عبر الحواجز، مخصصات وقود ومحروقات، وغيرها الكثير من الامتيازات التي منحها، واستطاع من خلالها، إعادة هندسة المجموعات المسلحة.

إدارة الفوضى

المجموعات التي لم تهادن، ضربها وفككها، واحتفظت مجموعات أخرى بالعلاقة النديّة معه. كان الأخطر، مجموعات حوّلها إلى أدوات رخيصة، لا تعصي الأوامر، وبالمقابل لها ضوء أخضر في تمويل نفسها ذاتياً: خطف، تهريب، تجارة سيارات مسروقة. وعلى سبيل المثال لا الحصر: راجي فلحوط، الذي بات ابنه المدلل في السويداء، ورجل المهمات الصعبة، الذي لا يعصي أوامره.

بقي مكتب الملحم في دمشق، مفتوحاً، وكان يتدخل في الكثير من القضايا. ويتولى مندوبه في السويداء، أيمن محمد، إدارة شبكة علاقاته. يبدو أن اللواء الملحم، كان يعوّل على سياسة تمكين مليشيات محلية مسلحة،
لفرض سلطة مطلقة للمخابرات العسكرية، في السويداء. عصابة راجي فلحوط، كانت أهم أدواته التي سعى من خلالها إلى إذلال أهالي السويداء، ربما كان يعتقد، أن المجتمع سيخضع لفلحوط، كونه من أبناء المحافظة.

فلحوط الذي يبدو أنه أصيب بجنون العظمى، وهذا واضح من عشرات الصور الشخصية الكبيرة، المعلقة على حائط مقره، تمادى في محاولات الإذلال، نصب نفسه القاضي والجلاد، قتل وبطش وخطف وانتهاكات، بذريعة ملاحقة الخارجين عن القانون.

بين ليلة وضحاها، اختفى الابن المدلل، لكفاح الملحم، وانتهى كقوة أمر واقع فرضت نفسها في مجتمع شديد الحساسية والتعقيدات، فسقط كل ما بناه من قوة ومقرات وعتاد، أمام انتفاضة مسلحة عارمة، ليكون سقوطه درساً للعصابات، بأن النهاية محتومة، ودرساً جديداً للسلطة، بأن الضغط يولد الانفجار دائماً، وأن السياسة الأمنية للنظام، ستبقي البلد في دوامة من الفوضى، والانفجارات المجتمعية.