السويداء وتجريب المجرب.. من الدولار الصاروخي إلى شركة 22

تكاد لا تمر سنة في السويداء، إلّا وتعود أخبار شبكات الربح السريع والتسويق الهرمي إلى الواجهة، وكأن المجتمع لا يتقن إلّا فن تجريب المجرب، وتكرار الأخطاء نفسها، في ظل غياب الدولة عن مراقبة هذه الأنشطة المخالفة للقانون، وربما تواطؤ بعض أجهزتها.

من الدولار الصاروخي، إلى الشجرة، ثم شركة كيونت، وأخيراً مشروع 22، تتعدد المسميات والأساليب، والنتيجة واحدة: جمع أموال من الناس، وكسب ثقة شريحة محدودة منهم عبر منحهم مرابحاً تفوق المعقول، وتحويلهم إلى مروجين للمشروع لاستقطاب أكبر عدد ممكن، و”تحويش” أموالهم، ثم اختفاء القائمين على المشروع. وهكذا دواليك.

وتقوم فكرة مشروع 22، الذي برز مؤخرا في السويداء، على الاشتراك بمبلغ مالي غير قابل للاسترجاع، دون أي سند أو وثيقة قانونية تثبت إيداع المبلغ. ويحصل المشترك على نسبة تقارب 35% من قيمة المبلغ، كل 22 يوماً، إذ يزعم القائمون على المشروع أنها مرابح مستحقة.

وبالتالي، يسترجع المشترك قيمة المبلغ الذي أودعه بعد 66 يوماً. ولا يوجد رقم دقيق لعدد المشتركين، فمصادر تتحدث عن 12 ألف مشترك، وأُخرى عن 9 آلاف، وربما الفي مشترك. المؤكد أنه منذ 6 أشهر تتزايد أعداد المشتركين، وتتوسع في قرى وأرياف المحافظة.

مكتب ببناء جانبيه، في مدينة السويداء، هو المقر الرئيسي للشركة، يبقى يومياً مكتظاً بعشرات الاشخاص، بين مشتركين جدد، أو أشخاص استحق الدفع لهم. الملفت عدم وجود لافتة تعريفية، ولا لوحة إعلانية، فقط مكاتب يجلس خلفها موظفون، يتقاضون ويدفعون الأموال.

في الشهر الماضي، حذّر نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي، من عملية نصب واسعة يحضّر لها القائمون على المشروع، مستندين إلى حوادث مماثلة كثيرة سابقة. ووصفوا ما يحصل من كسب ثقة المشروع للعامة، بالضربة القاضية، التي لن يسددها القائمون على المشروع، إلا بعد جمع المبالغ الضخمة من الناس، ثم الاختفاء بعدها.

وانبرى بعض المستفيدين من المشروع للدفاع عنه، وهذا يبدو منطقياً كونهم استفادوا منه، لكن المنطقي أيضاً، أنه لا يمكن للمشروع التوسع وجمع أكبر قدر ممكن من الأموال، وهي الغاية الرئيسية، دون كسب ثقة شريحة محددة، تقنع الناس بالانضمام ودفع أموالها، فهذا هو رأس مال المشروع. الثقة لفئة محددة تتحول إلى مروجة ومقنعة.

ولا يسأل المشتركون عن كيفية تحقيق هذه الأرباح، ويعزز ذلك الوضع المعيشي المتردي، فمعظم المشاريع معطّلة، ورواتب الموظفين لا تكاد تكفي لاسبوع واحد. لكن المغامرين بأموالهم، والذين باع بعضهم ممتلكات للاشتراك، لا يصحون إلّا بعد أن تقع الواقعة، وتذهب أموالهم هباءاً منثورة، فطالما أن الربح مستمر، يبقى الوهم مسيطراً على عقولهم، دون أي تفكير منطقي.

أما من يسأل عن دور الدولة في وقف هذه الأنشطة، ومتابعتها،  وسبب غيابها عن المشهد، هو أيضاً يجرب المجرب، فالدولة في بلادنا مع الأسف هي السلطة الأمنية المتغولة على كل مفاصلها، والتي يقتصر دورها اليوم على استدعاء ناشط كتب نقداً على الفيس بوك، او ظهر اسمه على إحدى الصفحات “المغرضة”. ومن يدري أنها لا تحصل على حصتها من هذه المشاريع ؟