“فساد مرعب”.. تحدٍ كبير لحراك السويداء بملف المياه


في خطوة عملية نحو فرض الرقابة الشعبية على مؤسسات الدولة، انبثق عن الحراك الشعبي في السويداء، لجنة متابعة تضم مجموعة اختصاصيين، بهدف كشف مكامن الفساد في مؤسسة المياه، واقتراح الحلول المناسبة لحل الأزمة المياه المستعصية منذ سنوات.


يوم الاثنين الماضي، تجمهر العشرات أمام مؤسسة مياه السويداء، في وقفة دعا لها نشطاء الحراك السلمي للاحتجاج على الواقع المائي المتدهور، الذي ينهك أهالي المحافظة منذ سنوات. حاول مدير المؤسسة احتواء الموقف والغضب الشعبي، وأبدى الموافقة على اقتراح تشكيل لجنة أهلية لمتابعة عمل المؤسسة.


ما هي مهام لجنة المتابعة ؟


تضم لجنة المتابعة التي انبثقت عن الحراك الشعبي ثلاثة مهندسين اختصاصيين، وفق ما ذكر أحد أعضاء اللجنة في اتصال مع السويداء 24. وأوضح المصدر أن مهام اللجنة هي تقديم تقرير فني وعلمي وتحليلي لأسباب الفشل التاريخي باستثمار الآبار وإثبات الأخطاء في التجهيز والتركيب بموجب العقلية النمطية القديمة المتبعة.


ولا يقتصر عمل اللجنة على تحليل أسباب الفشل، إنما ستعمل على تقديم الحلول الفنية الواجب إتباعها، وتحديد المبلغ الجاهز للصرف الفوري وليس بالديون، وذلك عن طريق لجنة فنية ستتم مطالبة مدير المياه بتشكيلها، في زيارة مرتقبة له بالأيام القادمة.


ومن المفترض أن تضم اللجنة الفنية، المهندسين المختصين من الحراك ومن داخل المؤسسة، مع فنيين مختصين في الآبار من أصحاب الخبرة. على أن تتولى اللجنة الفنية، تأمين التجهيزات اللازمة الدائمة للتركيب، وخصوصاً تجهيزات الاختبارات كالصندوق الأسود، التي سيتم تركيبها على ثلاث آبار للتجارب، لأخذ كل البيانات الحرارية والجهد على أطراف المحرك، وما يتعرض له بالأسفل لتحديد الأعطال الدائمة.


وعلى اللجنة بحسب المصدر عقد الاجتماعات لتكوين مذكرة للنهج الجديد، يجب أن يتفق الجميع عليها بالتوازي مع القديم حالياً والمتطلبات للتنفيذ. وأضاف المصدر، “النتائج ستكون باهرة للجميع وسنثبت ذلك للجميع”.


غيض من فيض عن أرقام الفساد


تشير الكثير من الأرقام والتقارير الصحافية، إلى أن سوء الإدارة في مؤسسة المياه، والفساد الممنهج المستشري منذ سنوات، مع غياب الرقابة والشفافية من الحكومة، هي الأسباب الرئيسية وراء أزمة المياه. وتحتاج هذه الأزمة إلى إدارة مناسبة للموارد في المقام الأول، وفق تصريح موظف في المياه فضل عدم ذكر اسمه.


ويكشف المصدر بعض آليات الفساد في المؤسسة، منها قضية الرافعة الوحيدة المخصصة للمؤسسة، والمسؤولة عن سحب وتنزيل الغواطس. هذه الرافعة “مزراب من مزاريب الفساد”، فقد جرت قبل فترة وجيزة صيانة لها كلفت المؤسسة 160 مليون ليرة، لكنها عادت وتعطّلت بعد صيانة أربعة آبار فقط.


تعطل الرافعة الذي يبدو مقصوداً بحسب الموظف، دفع المؤسسة لاستئجار رافعة بكلفة 10 ملايين ليرة سورية يومياً، أي حوالي ثلاثة مليارات ونصف سنوياً، ما يشكّل أعباء باهظة تستنزف خزينة مؤسسة المياه، بنسبة 50% تقريباً من موازنتها السنوية.


وقال الموظف، إن المدير الحالي أقصى جميع الكفاءات التي تشغل المؤسسة، وأبقى على قلة من بعض المهندسين والجيولوجيين الذين يخدمون مصالحهم ومصلحته بالتعاون مع المنظمات المانحة، ليتم العمل بينهم في دائرة ضيقه دون النظر إلى المصلحة العامة.


مضيفاً: “يجري إصلاح المضخات بفواتير وليس وفق عقود متفق عليها وهذه الإصلاحات تتم عن طريق المنظمات المانحة، علماً بأن معظمها يخرج عن العمل خلال فترات قصيرة لا تتعدى الأيام وتقوم المؤسسة بدفع تكاليف السحب والتنزيل وذلك بالتعاون مع المدير ومكانته وبعض المستفيدين”.


كذلك يتم توريد مواد عن طريق لجنة مركزية غير فنية، حيث أن معظم المواد لا تتوافق مع حاجة المؤسسة الحقيقية من لوحات كهربائية وقطع، وهذه اللوحات يتم وضعها في مستودعات المؤسسة لإشعار آخر، بحسب المصدر.


هل يصلح العطار ما أفسده الدهر ؟


تبدو اللجنة المنبثقة عن الحراك الشعبي أمام تحدٍ كبير وغير مسبوق، بحسب رأي أحد المختصين الذي كان ضمن لجنة شكلتها المحافظة عام 2017، بهدف التطوير والتحسين في ملف مؤسسة المياه، ولم تنجح كغيرها من اللجان، “لأن الفساد لا يقتصر على المؤسسة في السويداء بل يمتد إلى الوزارة والحكومة وكل الجهات المعنية في هذا الملف”.


وأوضح المصدر، أن معدل العمر الفني للاستثمار لدى المؤسسة تاريخياً، من شهر إلى ثمانية أشهر، “مع التحفظ لبعض الآبار التي عملت أكثر، منها للعمق الأقل، ومنها مجهول السبب، وهذا قبل أن تستفحل مشكلة التيار الكهربائي بعد عام 2015”.


وكشف أنه في السنة الماضية لم تعمل غالبية المضخات لأكثر من 10 – 15 يوم، وهذا “شيء مرعب لأن ملف المياه بات كالبقرة الحلوب للمتعهد والإدارة”، حسب وصفه.


مضيفاً: كنت أحد أعضاء لجنة المحافظة التي تشكلت بتاريخ 11/7/2017 للتطوير والتحسين، وقدمنا ستة تقارير بمستوى القطر فنياً وإدارياً وتنموياً لكن الوزير نبيل الحسن وقتها، ونائبه حسين عرنوس، سفهوا الموضوع برمته. و”كان مدير المؤسسة حينها المهندس وائل شقير، الذي وقف ضدنا مع بعض اعضاء مجلس المحافظة ومسؤولي البعث”.


لكن المصدر اعتبر أن ما يميز اللجنة المنبثقة عن الحراك الشعبي، أنها لن تخضع للضغوط الأمنية والحزبية، وستكون ملزمة أمام الرأي العام في المحافظة بكشف الشاردة والواردة في هذا الملف، مما قد يؤدي لتحقيق إنجاز شعبي غير مسبوق، في قضية مؤسسة مياه الشرب.


يذكر أن التجمعات المهنية التي أفرزها الحراك الشعبي المستمر منذ سبعة شهور في السويداء، باتت تبني أسساً مهمة لاسترداد مؤسسات الدولة وفرض الرقابة عليها، لتخوض تجربة غير مسبوقة في تاريخ سوريا منذ عشرات السنين، بعد أن نجح الحراك الشعبي في تقويض القبضة الأمنية والحزبية على تلك المؤسسات.