تحقيق: ظروف مأساوية يعيشها عناصر الجيش في السويداء

ينعكس تدهور الأوضاع الاقتصادية في البلاد، على المؤسسة العسكرية والجيش بشكل حاد، إلى درجة أن بعض وحدات الرادار التي تعتبر الإنذار المبكر في أي هجوم جوي، باتت تتوقف عن العمل لساعات خلال اليوم، بسبب نقص الوقود.

وفي تحقيق خاص للسويداء 24، توصّلنا إلى معطيات وتفاصيل كثيرة، عن تأثير الظروف الاقتصادية على الجيش. قد لا تكون التفاصيل اللوجيستية مهمة للرأي العام فيها، بقدر أهمية معاناة عناصر الجيش المجبرين على تأدية الخدمة، والذين ربما لن تترك الظروف لهم خياراً إلا الفرار من الخدمة.

ويتناول التحقيق، الظروف التي يعيشها المجندون في بادية السويداء. حيث تنتشر الفرقة 15 من القوات الخاصة، ضمن ثلاثة قطاعات، من الزلف جنوباً، إلى قطّاع الساقية شمالاً. ويقضي مئات الجنود خدمتهم في هذه المناطق شبه الصحراوية، بظروف قاسية جداً، تتفاقم حدّتها مع  الأوضاع المعيشية في البلاد، وتزايد مستويات الفساد ضمن المؤسسة العسكرية.

الطعام في الحدود الدنيا

يشير عدد من المجندين في قطّاع الساقية شمال شرقي السويداء، إلى أن أوضاعهم باتت كارثية على جميع المستويات، في ظل تدهور الأوضاع المعيشية، فقد انخفضت مخصصات الإطعام إلى الحدود الدنيا، وباتت الحصص الشهرية تشمل كميات قليلة من البرغل والرز والزيت، وحصص إسبوعية أحيانا باتت تقتصر على البطاطا وبعض أنواع المعلبات.

أحد المجندين قال: “الفروج بات من الماضي، منذ أربعة شهور تقريباً لم نتذوق طعمه، يبدو أنه يطير بقدرة قادرة إلى منزل الضابط، والحصص الغذائية التي تصلنا ناشفة، وتحتاج لطهي، لكننا لا نحصل على مخصصاتنا من المازوت ولا حتى زيت الكاز، فنضطر للطبخ على الحطب، نشعر الآن أننا نعيش في العصر الحجري”.

كما يعاني الجنود في هذا القطّاع، من النقص الحاد في المياه، فالآبار معطلة في المنطقة، وصهاريج المياه لا تصلهم إلا في الشهر مرّة وأحيانا في الشهرين.

وفي قطّاع الزلف ليس الحال أفضل من ناحية الإطعام، وما يزيد الطين بلّة، الخيم المهترئة التي لا تقي برد الشتاء ولا حر الصيف. ويأكد أحد الجنود أنه لم يحصل على لباس شتوي منذ خمسة سنوات، ويسخدم مع زملائه أحذية مدنية بسبب اهتراء العسكرية وعدم تقديم بديل عنها. ويضطر المجندون لشراء المنظفات والصابون هلى حسابهم الشخصي.

جنود يستغنون عن إجازاتهم

تعد الإجازة بالنسبة للمجند حلماً للراحة بضعة أيام من ضغوط الخدمة وولقاء الأهل والعائلة، لكنها باتت كابوساً للمجندين في قطاعي الزلف والساقية ، بسبب عدم التزام الضباط بتأمين المبيت للمجندين، وارتفاع أسعار الوقود. يحتاج مجند من أبناء السويداء، لمبلغ 90 ألف ليرة سورية للوصول إلى قريته في الإجازة، ومبلغاً مماثلاً أثناء العودة..

ما يقارب 180 ألف ليرة سورية، فقط للتنقل، إذ لا يتوفر أي نوع من المواصلات في البادية، بقطّاعاتها الثلاثة. ويعاني من هذه المشكلة بشكل مضاعف، المجندون من أبناء السويداء ومن خارجها. وهذا ما بات يدفع بعضهم للاستغناء عن إجازاتهم، في سابقة من نوعها تشير إلى الوضع الكارثي الذي يعاني منه الجنود في البادية.

فساد الضباط يفوق الوصف

يدفع المجندون المقتدرون مادياً، رشاوى للضباط، مقابل “التفييش”، وهو مصطلح في الجيش، يشير إلى منح إجازات طويلة وتسهيل الخدمة مقابل المال. وهذه الظاهرة ليست جديدة في الجيش، حالها حال الفساد المستشري في المؤسسة العسكرية، ولكن مع التدهور الحاد في الأوضاع الاقتصادية، باتت مستويات الفساد تفوق الوصف، فحتى

من قطاع الساقية وحده، يجني الضباط المسؤولون عنه، ما يزيد عن 20 مليون ليرة سورية شهرياً فقط من خلال “التفييش”، ناهيك عن المبالغ التي يمكن أن يجنوها من خلال بيع جزء من مخصصات الإطعام والمحروقات والوقود، في وقت لا يتجاوز فيه راتب الضابط برتبة مقدم أو عقيد، في أحسن الأحوال 25-30 دولاراً شهرياً.

ويتهم الجنود الذين تحدثت معهم السويداء 24، بعض الضباط المسؤولين عن قطّاعاتهم، بحرمانهم من أدنى حقوقهم، عبر سرقتها وبيعها في السوق السوداء، من الطعام إلى باقي الاحتياجات، معتبرين أن هؤلاء الضباط تسببوا بفرار الكثير من المجندين.

مناشدات ربما تكون الأخيرة

ناشد الجنود قائد الفرقة 15، وقائد الفيلق الأول، بالتدخل ووضع حد للفاسدين في الفرقة، مؤكدين أن الأوضاع باتت لا تطاق، وكثيرون منهم يفكرون بالفرار من الخدمة، في حال استمرت الأوضاع على حالها.

وبحسب أحد المجندين، فإن أوضاعهم تتحسن بضعة أيام عندما تنقل السويداء 24 معاناتهم، إذ عادة ما تصل لجان تفتيش من الفيلق الأول، عند انتشار الشكاوى، لكن ما أن تمضي أيام قليلة على انصراف اللجان، حتى يعود الوضع إلى حاله. وأضاف: نتمنى من السيد اللواء قائد الفيلق الاهتمام بمشاكلنا بشكل شخصي، فلجان التفتيش تقدم حلولاً مؤقتة لنا، والوضع في أسوأ حالاته.

ورغم أن الكثير من المجندين أمضوا أكثر من تسع سنوات في الخدمة، وينتظرون التسريح بفارغ الصبر، إلا أنهم باتوا يفكرون بالفرار جدياً، لا سيما أن رواتبهم الشهرية لم تعد تكفيهم كأجرة طريق، وبات الكثير متهم غارقون في الديون، وعائلاتهم تشتكي من ضيق أحوالها ولا تقدر على مساعدتهم.