الشائعات تغزو السويداء.. لفت للأنظار عن تدهور الأوضاع ؟

تبدو حقيقة الأوضاع في السويداء، أكثر وضوحاً من الشائعات المتداولة هذه الأيام. الناس منهكة من تردي الأوضاع الاقتصادية والانهيارات المتتالية في قيمة الليرة السورية، وانعكاساتها على  التضخم في الاقتصاد.

ارتفاع جنوني للأسعار، تدهور الواقع الخدمي، على كافة المستويات. لا مياه، ولا كهرباء، ولا حلول في الأفق. هذه الأوضاع الخانقة، ربما ستكون دافعاً لخروج احتجاجات شعبية جديدة في السويداء خلال الفترة المقبلة، فالغضب والاستياء، يسودان في الشارع.

وليست الأوضاع الأمنية بحال أفضل، بعد استقرار نسبي لم يدم طويلاً، عقب تفكيك الفصائل المسلحة المرتبطة بشعبة المخابرات العسكرية في تموز من العام الماضي، بانتفاضة أهلية مسلحة.

خلال الايام الماضية، تجددت حوادث الخطف والسلب، وعاد اوتستراد دمشق السويداء إلى دائرة الخطر.

ينذر هذا الواقع الأمني المتوتر، بإمكانية تجدد دورات العنف في السويداء، وربما نشوب صدامات مسلحة جديدة، لا سيما مع وجود معلومات عن إعادة تفعيل بعض المجموعات المسلحة المدعومة من شعبة المخابرات العسكرية.

لفت الأنظار عن الواقع المتردي

خلال الأيام القليلة الماضية، شغلت الرأي العام في محافظة السويداء، سيلٌ من الأخبار المضللة، عن هجوم وشيك على المحافظة. وتسببت هذه الأخبار بحالة استنفار للفصائل المسلحة، وقلق في الأوساط العامة.

ومن خلال تتبع السويداء 24 لهذه الأخبار، كان واضحاً أنها لا تستند لمصادر موثوقة، ومصدرها حسابات موالية. بعض تلك الأخبار، تزعم تجهيز الولايات المتحدة لمسلحين في قاعدة التنف وإخضاعهم لدورة تدريبية، تحضيراً لتنفيذ هجوم على السويداء.

سبق أن تكررت هذه الإشاعة في السنوات الماضية، وعادة ما يجري تداولها بشكل مقصود، عندما تشهد السويداء حالة استياء عام من تدهور الأوضاع المعيشية، وهي على ما يبدو تهدف للفت أنظار الناس عن أوضاعهم المتردية، باتجاه خطر أمني مزعوم يهددهم.

لا تغييرات في بادية السويداء والتنف

مراسل السويداء 24 في بادية السويداء، أكد عدم وجود أي تحركات مشبوهة خلال الأيام الماضية. وأشار مراسلنا إلى أن الأوضاع على حالها، فنقاط الجيش السوري لا تزال منتشرة من سد الزلف جنوباً إلى بئر قصب شمالاً، وبعض الأضواء التي يشاهدها سكان الريف الشرقي في البادية، غالباً ما تكون لسيارات أو نقاط عسكرية.

منطقياً، تبعد قاعدة التنف عن ريف السويداء الشرقي أكثر من 300 كم، ولم يحدث سابقاً أن نفذت الفصائل المعارضة المدعومة من التحالف الدولي أي هجوم باتجاه السويداء، فهذه الفصائل نشاطها محصور ضمن منطقة 55 كم، ولم تتجاوز هذه المسافة منذ إنشاء التحالف الدولي قاعدة في المنطقة.

أما الهجوم الدموي الذي تعرضت له السويداء في عام 2018، فلم يكن للتحالف الدولي وقاعدة التنف أي صلة فيه، إنما جاء الهجوم من تنظيم داعش الإرهابي حينها، بعد شهرين من اتفاق مخيم اليرموك، الذي نقلت الحكومة السورية بموجبه مئات الدواعش إلى بادية السويداء، قبل أن يهاجموا المحافظة.

شائعات مضادة

تنتشر أيضاً خلال الأيام الماضية شائعات تبثها حسابات مجهولة -تدّعي معارضتها للنظام- عن قرب حصول “معركة الجنوب”، وعن تحضيرات من التحالف الدولي، ودول إقليمية، لطرد النظام السوري وضم المنطقة الجنوبية إلى التنف وشرق سوريا.

ولا تختلف طبيعة هذه الأخبار المضللة عن شائعات التحضير لهجوم من التنف على السويداء. وفي الحالتين، تستند الشائعات إلى مناورات عسكرية أجرتها فعلاً القوات الأمريكية مع فصيل جيش سوريا الحرة المدعوم من التحالف الدولي، الشهر الجاري.

لكن الناطق باسم جيش سوريا الحرة، قال في تصريح لصحيفة القدس العربي، إن أهداف التدريبات والمناورات المشتركة، هي “حماية منطقة التنف، من أي تهديدات، نافياً في حديثه المعلومات المتداولة إعلامياً عن تحضيرات لمعركة عسكرية ضد قوات النظام.

وجيش سوريا الحرة، هو قوّة عسكرية صغيرة من المعارضة المسلحة، يتركز انتشارها في منطقة التنف على مثلث الحدود السورية العراقية الأردنية، ولا يتجاوز عدد أفرادها 300 عنصر، بحسب مصادر مطلعة. هذا العدد، في الواقع، لا يمكن من خلاله تنفيذ مهام استراتيجية واسعة، كهجوم على المنطقة الجنوبية، كما يشاع.

على جميع الأحوال، ربما تلفت الشائعات أنظار الناس عن واقعهم المعيشي المتردي لأيام معدودة، لكنها لن تخفف نقمتهم على سوء أوضاعهم. فالناس يعلمون جيداً، أن هذا الواقع سببه الرئيسي سياسات حكومية ساذجة، لا تفكر إلّا في نهب ما تبقى في جيوبهم، وتخويفهم عندما يفكرون في الاحتجاج الظلم والفساد، والرد على مطالبهم بالرصاص الحي، حين يخرجون إلى الشوارع والساحات.