“غزارة الإنتاج وسوء التوزيع”.. نظرية لا تبرر العطش!

يتحتم على العديد من سكان بلدة القريا، بعد طول انتظار، اللجوء إلى دفع مبالغ مادية طائلة، لقاء نقلات مياه الشرب أسبوعياً، في ظل انقطاع مياه الشبكات الرئيسية لأسابيع وأشهر في بعض الأحيان.

حيث يطرق العطش أبواب معظم المنازل في البلدة، وأحياناً بأيدي المعنيين بإيصال أهم عوامل الحياة للأهالي. وتدور مؤشرات الخلل غالباً، حول آلية عمل الآبار وشبكة مياه الشرب على وجه العموم.

عمل الآبار في البلدة

تعتمد بلدة القريا على إثنين من الآبار لتأمين حاجة سكانها من مياه الشرب، بالإضافة إلى حصة واردة من البئر الشمالي لقرية بكا، تصل إلى بئر البلدة الجنوبي.

وبالنظر للاكتفاء الذي يفترض من هذه الآبار تحقيقه، إلا أن مشكلات عدة تحيط بعمل الآبار وشبكاتها، تخلق أزمة مريبة.

قال مصدر مطلع: إن المؤسسة العامة في مدينة السويداء، تزود كل من آبار البلدة بقرابة 700 ليتر من مادة المازوت، بمواعيد غير منتظمة على الإطلاق، مشيراً إلى أن هذه الكمية من المازوت، لا تكفي لتشغيل البئر الواحد لأكثر من 24 ساعة، علماً أن الآبار منذ بداية العام، لم تشهد أي أعطال فنيّة حتى الآن.

من جهة أخرى أكد المصدر أن “البئر الشمالي لقرية بكا كان سابقاً يرفد حوالي 600 متر مكعب من المياه إلى البئر الجنوبي للبلدة، في حين يصل إليه في الفترة الحالية مقدار 150 متر مكعب من المياه، ما يؤكد فقدان 450 متر مكعب منها، قبل وصولها إلى بئر القريا”.

وتكثر الأحاديث حول سرقات واسعة، تتم على خط الشبكة الواصلة بين بئر قرية بكا وبئر البلدة، وتحديداً في قرية نمرة، إلا أنه وفي حال إثباتها، لا يرى الأهالي وسائل لمكافحتها إلا عن طريق الفعاليات الأهلية في البلدة.

معاناة الأهالي المستمرة

تشكو أُسر محرومةٌ من المياه منذ العام الماضي، في عديد من أحياء بلدة القريا، من خلل دورات مياه الشرب وتمديدات الشبكات الفرعية تحديداً، حتى إن بعض المنازل تشهد انقطاع المياه لأكثر من شهرين متواصلين، في ظل استجابة معدومة من قِبل مؤسسة المياه.

أحد أهالي الحي الشمالي استهل حديثه “عطشنا، ولم نرى المياه منذ كانون الأول عام 2023، حتى بداية آذار 2024، وبالرغم من أن الأحياء المجاورة تلقى المعاناة نفسها، إلا أنها تُزّود بمياه الشرب لبضعة ساعات على مدار الشهر”.

مُضيفاً: لا نرى التجاوب من المعنيين إلا عند كشف الفساد الحاد الذي يعم المؤسسة، عبر مواقع التواصل الإجتماعي و وسائل الإعلام المحليّة، وهذا خير دليل على فداحة تلك التجاوزات.

وباستطلاع عام بين عدد من الأهالي، من مختلف أحياء البلدة، تكررت الشكوى ذاتها، وأكد معظم الأهالي فقدانهم مياه الشرب لأكثر من 60 يوماً ضمن المعدّل الوسطي، بينما تشهد أحياء معدودة توفر المياه على الدوام، وبشكل فائض أحياناً.

تباين توزيع المياه

يثير التفاوت الملحوظ في توزيع المياه بين أحياء بلدة القريا، جدلاً واسعاً بين الأهالي، حيث يطرح التساؤل ذاته بين الجميع، لماذا تعاني أحياء من العطش، وتغرق بالمياه أحياء أخرى؟

مصادر أهلية عدّة، أكدت تقاضي بعض العاملين المسؤولين عن تنظيم دورات المياه بين الأحياء، مبالغ مادية تصل إلى 100 ألف ليرة في بعض الأحيان، مقابل بضعة ساعات إضافية من التغذية، أو لمقاربة مواعيد توزيع المياه للحي نفسه.

وذلك عن طريق جمع الاشتراكات بين المنازل المستفيدة في الحي، في إشارة واضحة إلى استغلال حاجة الأهالي، من قبل بعض العاملين في مؤسسة المياه.

من جهة أخرى، “إن آلية التوزيع يفترض أن تتناسب مع عدد الآبار العاملة”، وفق ما أكد مصدر في مؤسسة المياه، إذ “يتوجب على الفني إتمام الدورة خلال عشرة أيام، في حالة عمل اثنين من الآبار في البلدة”.

وفي حالة عمل بئر واحد فقط، قدّر المصدر مدة الدورة الواحدة بأنها لن تتجاوز 25 يوماً كحدّ أقصى، ما يضع علامات استفهام كبيرة حول غياب المياه لأسابيع طويلة، عن أحياء متفرقة من البلدة.

وقد ألمحت مصادر عدة إلى أن أحد العاملين في حراسة الآبار مثلاً، يقوم بمهمة توزيع المياه عبر الشبكات دون أي صفة وظيفيّة، لا سيّما بعد تقاعد الفنيين القدامى في المؤسسة، وهم الأكثر خبرة بنظام توزيع المياه عبر الشبكة.

مبادرات أهلية معلّقة

مجموعة من الأهالي تكفّلت بمراقبة سير عمل الآبار وشبكات المياه على مساحة البلدة، بالتزامن مع انطلاق الحراك السلمي في المحافظة منذ بضعة أشهر، حيث وثقت المجموعة متابعاتها لإصلاح الأعطال في الآبار والتحقق من تزويد كافة الأحياء بحصصها من مياه الشرب.

إلا أن أحد أفراد المجموعة وضّح ما دبره الفساد الممنهج في المؤسسة، لإعاقة عملهم وبالتالي تعطيل الآبار المتعمّد، مُلفتاً إلى أن “الأهالي وقفوا مكتوفي الأيدي أمام احتكار المؤسسة العامة في السويداء مادتي الزيت والمازوت على خلفية رقابة الحراك على منشآت المؤسسة، ما وضعنا في موقف عجز عن متابعة توصيل مياه الشرب لكافة أحياء البلدة”.

في حين يتطوع بعض الأهالي بشكل فردي، لمتابعة أعمال الآبار والفنيين المختصين بمؤسسة المياه، وغالباً ما يبادر الأهالي بالرقابة، بقصد تأمين مياه الشرب لأحياءهم، أو طلباً لإصلاح الأعطال المتفشّية بالشبكة.

كما شهدت الفترة الماضية تراجعاً واضحاً بالرقابة الأهلية على عمل أهم المؤسسات الخدمية، علله مصدر في الحراك السلمي: “يتمكن الأهالي من متابعة الأعطال الفنية والإطلاع على إصلاحها، لكن من الصعب أن نعمل على تأمين أهم مسلتزمات الآبار من وقود وزيت المولدات، ونرى أن هذا يفوق واجباتنا وقدراتنا أيضاً”.

السويداء 24 – درع القريا